عزف على أوتار السياسة اللا أخلاقية

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

إيران الآن ليست دولة ولكنها إمبراطورية على حساب ضعف العرب وغبائهم ليس أكثر، هذه الإمبراطورية الآن تمتد من إيران للعراق لسوريا للبنان وهى مفتوحة على بعضها واليمن فى الطريق، وتنتظر إيران بلهفة سقوط الخليج تحت أقدامها، وبعض خصوم إيران فى الخليج يقدم لها أعظم الخدمات دون أن يدرى، ويعجل بتقديم بلاده طعما جديدا للإمبراطورية الإيرانية التى لا تشبع أبدا.

وكما قدم صدام حسين بمغامراته الطائشة بلاده على طبق من ذهب غنيمة باردة لأمريكا وإيران، تارة بحربه غير المبررة ثمانى سنوات مع إيران، أو بغزوه الكويت دون مبرر، لتضيع بلاده إلى الأبد، وتتحول من الوطن العربى إلى الإمبراطورية الفارسية.
ليست العراق هى التى كبحت جماح كردستان العراق وحالت دون استقلالها، ولكن الذى قام بذلك حقا جيوش وميلشيات الإمبراطورية الفارسية الجديدة والتى كانت مستعدة أن تشعل الأرض نارا واغتيالات وتفجيرات فى كل بلاد كردستان إذا لم ترجح عن مشروع الاستقلال، وساندتها روسيا وتركيا فى ذلك، وبذلك مات الحلم الكردستانى لإقامة دولة الأكراد الكبرى على حساب تركيا والعراق وإيران وسوريا.

المتغطى بأمريكا عريان، يا ليت العرب يعلمون ذلك، ويتركون الرهان على أمريكا ويعتمدون على أنفسهم مثل كل الأمم، ويتركون رشوة أمريكا أو الغرب أو الشرق من أجل تحقيق مصالحهم، فالبرازانى وكردستان العراق راهنوا على الحليف الأمريكى وظنوا أن أحدا لن يستطيع الاقتراب منهم قياسا على زمن صدام حسين، ولكن هيهات هيهات، فقد تخلى الأمريكان كعادتهم عنهم فى سياق مصالح أخرى لهم.

أى حاكم فى الشرق الأوسط لا يطيق أن يرى مليونيرا أو مليارديرا فى بلاده لا يتبعه تبعية كاملة «دون قيد أو شرط»، ولا يطيق أن يكون هناك إعلامى لا يسير على هوى سياسته وحكومته، وعلى هذا الإعلامى أن يغير رياح عقله مع تغير رياح سياسة وأيديولوجية الحكم، حتى وإن تغيرت عدة مرات فى العام الواحد، ولا يطيق أن يكون هناك إعلام أو قنوات أو صحافة لا تواليه موالاة كاملة وغير مشروطة، ولا يطيق أن تكون هناك حتى معارضة أو منافسة حتى لو كانت شكلية.

يقولون: تمكين الشباب، تمكين الشباب، وما من شاب تمكن من الحكم فى أى بلد من بلاد الشرق الأوسط إلا وأظهر نزقا وميلا للحروب والصراعات والصدامات، راجعوا تاريخ القذافى وصدام وناصر، الحكم مسئولية، ويحتاج لحكمة وتعقل ورزانة وتريث، والحكم قريب من مسئولية الرسالة والنبوة فى بعض أوجه مسئولياته من العدل والرفق والرحمة والإنصاف والعفة ونحوها، والنبوة لم تأت لأحد قبل الأربعين رغم دعم الوحى للنبى وتصحيح مسيرته دائما، راجعوا ماذا فعل ويفعل الحكام الشباب فى تمزيق بلادهم ودولهم، ولا داعى لذكر الأسماء، الحكم يحتاج لخبرة وتريث وسياسة.

استقالة الحريرى هى أغرب استقالة فى التاريخ الحديث، رئيس وزارة لبنان يستقيل من بلد غير بلده، ومن قناة فضائية غير القناة التى يملكها أو تلفزيون بلاده، وقد غابت ابتسامته المعهودة عنه، ولهذه الاستقالة العجيبة دلالات كثيرة منها:

1. أن تهديدا جديا لحياته أو أنه هدد بالاغتيال من قبل إيران أو الحرس الثورى أو حزب الله، كما اغتالت سوريا وحزب الله الحريرى الأب، وخاصة أنه التقى قبلها ولا يأتى المستشار الأبرز للمرشد الأعلى خامنئى، وهذا وارد جدا.

2. أن حربا إسرائيلية وشيكة على قوات حزب الله فى سوريا ولبنان، «وحزب الله» الآن ممثل فى الحكومة اللبنانية التى يرأسها الحريرى، وهذا سيمثل له ورطة كبيرة لا يستطيع التصدى لها أو التعامل معها أو الالتفاف حولها، وخاصة أنه لا ناقة له ولا جمل فى الصراع بين إسرائيل وإيران وحزب الله، فهو لا يملك بين صراع هؤلاء العمالقة شيئا، رغم أنه المسئول رسميا عن لبنان، وحزب الله يأخذ دوما الغنم والدولة اللبنانية تأخذ الغرم، ودائما الحكومة اللبنانية أشبه ما تكون بـ«شاهد مشفش حاجة» فى الصراع بين إسرائيل وحزب الله، فلا أحد منهما يطلعها على شىء أو يأخذ رأيها فى شىء.

3. هذه الاستقالة هى إعلان طلاق بائن بين الحريرى وتياره وحزب الله وإيران، حيث إن كلمات الحريرى هذه المرة عنهما كانت حادة وأكبر من طاقته وإمكانيات تياره وفيها من التهديد ما لا يملكه وما لم يفعله من قبل.

أغرب شىء فى بلاد العرب أن تجد حزبا سياسيا مثل حزب الله يشارك فى الحكومة والبرلمان، وله مخابرات أقوى من مخابرات الدولة ولديه جيش أقوى من جيش الدولة، وسجون واقتصاد أقوى من الدولة، ويدرب ويحارب فى عدة دول دون علم أو إذن الدولة، فضلا عن ولائه الكامل لدولة أخرى هى إيران، والحزب مغلق على نفسه لا تعرف الدولة اللبنانية عنه شيئا، وهو مفتوح فقط على الحرس الثورى الإيرانى فقط، وسيكون هناك فى سوريا شبيه له وفى العراق الحشد الشعبى سيسير على خطواته وهكذا، أمور لا تجدها إلا فى بلاد العرب، والحجج عند العرب جاهزة باستمرار وأمجاد يا عرب أمجاد.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved