أجمل من رضوى: باقية فى الذاكرة الشعبية الجماعية

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 10 ديسمبر 2014 - 11:17 ص بتوقيت القاهرة

أجمل من رضوى،

هل كانت تودع أسرتها وأصدقاءها ومحبيها حين كتبت: «أثقل من رضوى»؟!

رحلت رضوى!!

هل رحلت حقا من أعلنت أنها من أسرة النمل/ من حزب قشة الغريق/ من حزب العناد/ من لم تقبل الهزيمة يوما؟!

هل ترحل من تركت إرثا كالإرث الأدبى والفكرى والإنسانى الذى تركته رضوى؟!

•••

لم تدَّع، ولم تنافق، ولم ترغب يوما فى شهرة زائفة، أو سلطة زائلة. بابتسامة عذبة؛ طالما قابلت عائلتها وأصدقاءها وطلابها ورفاق مشوارها الكفاحى، وبمبدئية كحد السيف؛ طالما خاضت معارك فكرية وثقافية وسياسية، فى مواجهة مع العديد من المدَّعين والمفسدين والمطبِعين والمنافقين؛ غير عابئة بالنتائج.

أخلصت لفكرها الإنسانى منذ مطلع شبابها؛ حين اختارت رفيقها، وحين اختارت طريقها الأدبى والسياسى والإنسانى، وحين انتهجت حياة بسيطة وجميلة فى آن.

نذرت نفسها لنهر الدلتا ولحبِّ فلسطينى متعب (يا رضوى/ يا ذات الوجه المنذور لنهر الدلتا ولحبِّ فلسطينى متعب)، على حد تعبير رفيقها الشاعر مريد البرغوثى.

وحين نذرت نفسها لمصر ولفلسطين؛ كانت تشق طريقا وعرا وشائكا وجميلا، يربط بين محبى الحرية فى العالم العربى والعالم الحر.

قدَّمت لفلسطين ولمصر وللثوار عبر العالم إرثا غنيا وكنزا لا يقدر بثمن. أخلصت للأدب والسياسة والحياة، وتداخلت حقول المعرفة لديها؛ كأكاديمية وروائية وقصصية وناقدة ومناضلة سياسية؛ لتنتج ثمانى روايات، ومجموعتين من القصص القصيرة، وسيرتين ذاتيتين، بالإضافة إلى العديد من الدراسات النقدية، التى تخللها خيط واحد، الانحياز للكادحين، والثقة اللامحدودة بإمكانياتهم، الانتصار للإنسان، وللإبداع، والمرأة الفاعلة/ الشريك، والثورة على الطغيان، والظلم، والفساد، بأشكاله المتعددة.

ولدت رضوى قبل النكبة بعامين، وتخرجت من الجامعة أثناء حرب 1967، «عشت عمرى كله بين قوسين من الحروب. أو قل إنه عمر مضفور لوعى الظلم والعجز والحرب. نعم، كان الموضوع الفلسطينى الحدث الأساس فى تجربتى، وتشكيل وعيى. فلسطين قضيتى بقدر ما هى قضية العديد من المثقفين المصريين. كان كتابى الأول الذى انتهيت منه قبل أن أتم الثلاثين دراسة عن أدب غسان كنفاني: «الطريق إلى الخيمة الأخرى»، تناولت الموضوع الفلسطينى جزئيا فى رواية «أطياف»، وفى «قطعة من أوروبا»؛ لكننى حين شرعت فى كتابة «الطنطورية»؛ أدركت أننى أكتب روايتى الفلسطينية».

ولم تكتف د. «رضوى عاشور»، بأن تقول كلمتها من خلال الأكاديميا، والأدب؛ بل مارست عملا سياسيا وطنيا، من خلال عضويتها فى «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية»؛ والمساهمة فى تأسيس «اللجنة الوطنية لمقاومة الصهيونية فى الجامعات المصرية»، وفى تأسيس لجنة «9 مارس لاستقلال الجامعة».

•••

من خلال معرفتها الموسوعية العميقة؛ مزجت رضوى بين التاريخ والأدب والسياسة والفن؛ فأنتجت وأبدعت، وحفرت مكانة لها فى الأدب العربى الإنسانى.

ومن خلال شخصيتها المتواضعة المحبة الصادقة والمنتصرة للحق؛ حفرت مكانا لها فى قلوب الفلسطينيين والعرب وطلاب الحرية عبر العالم.

•••

تعود الذكريات إلى زمن جميل عشته فى القاهرة، منذ العام 1979 وحتى العام 1998؛ سعدت خلاله بصداقات مصرية وفلسطينية متينة.

امتزجت الهموم الفلسطينية والعربية وتداخلت وتعانقت؛ وتوهج حلم الحرية، على المستويين الخاص والعام؛ فتشاركنا الحلم والعمل والنضال الدؤوب، من أجل التغيير السياسى والاجتماعى والثقافى.

جاءنى صوتها دافئا حزينا، يوم 11 سبتمبر 1996؛ إثر رحيل والدتها الروحية د. «لطيفة الزيات»: «العزا رح يكون فى.. تعرفين مكانة فلسطين لديها. أنتظركم/ن هناك».

كيف لا أعرف مكانة فلسطين لدى الرائدة الرائعة؛ الكاتبة والناقدة والمناضلة د.«لطيفة الزيات»؟! (مؤسسة ورئيسة «لجنة الدفاع عن الثقافة القومية»، التى تشكلت إثر اتفاقية كامب ديفيد، لتحارب التطبيع بأشكاله كافة)، والتى تربيت، كما تربّى جيل بأكمله، من مناضلى الحرية، على إنتاجها الفكرى والأدبى والإنسانى؟!

واليوم، فى 30 نوفمبر 2014؛ ونحن نعرف جيدا مكانة فلسطين فى قلبك رضوى، وما زال أمامنا الكثير لإنجازه، على طريق الحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الظلم والفساد؛ سوف نفتقد بهاءك وحضورك والمزيد من إنتاجك،

أنعزى أنفسنا؟!

أنعزى الصديق مريد؟ والحبيب تميم؟

أم نعزى الفكر التقدمى الإنسانى؟!

فيحاء قاسم عبدالهادى - صحيفة «الأيام» الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved