الإنسان ذلك المعلوم 13- «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ»

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الجمعة 11 أبريل 2014 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

هكذا يعلمنا القرآن بحقيقة الحياة، ويصارحنا بوضوح أننا ــ معشر بنى آدم ــ لسنا فى نزهة، بل فى مكابدة ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِى كَبَدٍ)).

فأصل الحياة مجاهدة ومكابدة. وهذا هو دور الإنسان وقدره فى الحياة فهو العاقل الوحيد، والمفكر الوحيد، وهو حر الإرادة بينما جميع المخلوقات مسخرة لخدمته. يقول القرآن:

((وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا..))

((...وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِى الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ))

((وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ...))

(1)

ومكابدة الإنسان فى حياته تدور حول: كيف ينجز احتياجاته من (الحلال أم الحرام أم الشبهات) وهل يستكثر أم «يعتدل» أم «يرضى بالقليل» من متاع الدنيا وزينتها؟

وهل يتصرف فى حدود ما يملك أم يتجاوز ويستدين ما يرهقه وما لا يقدر على سداده إلا بعسر؟

كل هذه الاحتمالات تشكل ثقلا ثقيلا على «أولى الألباب» فيبدأ بإعداد دراسات جدوى لكل احتمال منها. كما يكابد الإنسان طموحات نفسه مثل:

هل يستقر على ما هو فيه؟ أم يجازف ويتهور دون تخطيط؟ فإذا به يتعجل تغير حرفته أو مهنته أو وظيفته طمعا فى دخل أكبر أو وضع يتصور أنه أفضل مما هو فيه، ثم تتكاثر عليه المشاكل التى لم يحسب لها أى حساب. وهذا هو مدخل الابتلاء القدرى للإنسان:

((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))

((لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ))

(2)

يكابد الزوجان «مهام الزوجية» وما يلزمها من «ذوبان كل منهما فى الآخر»، وتكاملهما فى «سبيكة ذهبية واحدة» اسمها «الأسرة» التى تأسر جميع أفرادها فيتعاونون على تحقيق «حياة طيبة» لا ينقصها شىء يؤرق استقرارها.

وأبرز ما يكابده الزوجان هو: مدى استطاعة «التخلى» عن بعض ما تعود عليه أحدهما ليقترب من الآخر دون مشقة، وهل تبدأ رحلة الإنجاب؟ وكيف يستعدان لتلك الرحلة ماديا ومعنويا؟ وإذا بدأ الحمل فما هى واجباتهما نحو الجنين قبل أن يولد؟

وماذا عليهما للاستعداد للولادة؟

((وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ))

((..حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا..))

< هل يحسنان اختيار اسم للمولود يتوافق مع ثقافة جيل المولود؟ أما يختاران اسما «تراثيا» قد يعانى منه الطفل؟

< كيف يختار الوالدان تعليم الطفل وتوجيهه للحرفة أو المهنة؟

(3)

ــ أما مكابدة الأبناء فهى نوع آخر: فكل طفل فى صغره يظن أن «أبويه» يقدران على كل شىء فتتكاثر مطالبه، ويزداد غضبه لعدم تلبيتها.

ــ كذلك قد يعانى الصغير مشكلة عدم مساواته لإخوته الكبار فيما يختصون به من كتب أو أدوات أو هوايات. هل يتحلى الصبى بالصبر حتى يبلغ الرشد؟ أم يبقى دائما فى حالة إصرار على طلباته كإصرار الطفل على الرضاع؟

هذه بعض ألوان مكابدة الأبناء داخل الأسرة، وقد يتولد عنها معاناة ومكابدة أبعد مدى:

فهل يبقى الابن اجتماعيا بين إخوته؟ أم ينعزل منطويا على نفسه؟

وهل يمارس حياته نشيطا؟ أم يصاب بالكسل الذى يسبب له العجز؟

وهل يتمكن من ترتيب جدول زمنى لوقته حتى لا تطغى بعض الأنشطة التالية على الأخرى؟

(الصلاة ــ طلب العلم ــ إتقان العمل ــ إحسان العلاقات والصلات ــ الاستعداد لإنشاء أسرته الجديدة بـ«الزواج»)

لهذا فرسول الله كثيرا ما يحذر من العجز والكسل ويدعو الله أن يجنبه ذلك، فهل يتأسى الإنسان وينقذ نفسه من أسباب العجز والكسل؟

(4)

ومن أبرز محددات شخصية الإنسان مسألة علاقته بالأموال:

فهل يتعود تدبير احتياجاته فى حدود ما يملك؟

أم يحاول زيادة دخله؟ أم تقليل احتياجاته وترتيبها؟

وهكذا يجد الإنسان نفسه مقيدا بدوافع تفرض عليه الاعتدال أو التبذير أو الشح أو البخل؟

وهل يبقى يقظا محافظا على طهارة دخله؟ أم تمتد يده إلى الحرام أو المشبوه أو المكروه؟

وحينما يحصل على مال طاهر: هل يحافظ عليه أم يبدده؟

وهل يستطيع تحمل الأعباء المنوطة به أم يبخل ويتخلى عن بعضها؟

وأين الإنسان من البر وفعل الخير؟ وما موقفه من المعروف والعمل العام؟ فهل يتعود أن يكون «لاعبا» «متقنا» للخير والمعروف أم يقنع بدور المشاهد دون مشاركة؟

فهل تبينت معنى قوله ((إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ))؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved