زنقة ستات

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: السبت 11 أبريل 2015 - 8:10 ص بتوقيت القاهرة

الضحك، دليل صحة نفسية، وعلاج فى ذات الوقت.. غالبا، تنتعش الكوميديا مع بوادر الأمل، حين ينتشى الإحساس بأن المسالب والمتاعب ليس من الممكن التغلب عليها وحسب، بل السخرية منها، لذا، تأتى موجة الأفلام الكوميدية لتبدد شيئا من أجواء القتامة التى حطت على حياتنا منذ فترة، ولتؤكد أننا أقوياء، فالضعفاء لا يضحكون.

هذا الكلام النظرى، العام، من خارج الأفلام، لا يعنى التصفيق لها، جملة وتفصيلا، فالعمل الفنى، مفردة قائمة بذاتها، حتى إن جاء وسط موجة.. «زنقة ستات»، الرائج جماهيريا، بتوقيع مخرج جديد، متمكن وواعد، خالد الحلفاوى، يعتمد على سيناريو كتبه الثنائى هشام ماجد وكريم فهمى، يتجهان فيه نحو كوميديا «التخفى»، اللعبة المعروفة، عالميا ومحليا، حيث تقوم الشخصية، متعمدة، بتقمص شخصيات أخرى، فتغير من ملبسها وسلوكها وطريقة كلامها، وهى فرصة ذهبية للممثل كى يثبت موهبته وقدراته، ولعلك تذكر عبدالمنعم إبراهيم فى «سكر هانم»، وصلاح ذو الفقار فى «عفريت مراتى».

حسن الرداد، النجم، صاحب الوجه المتسق التقاطيع، الجذاب، الأقرب إلى الفتى المدلل، الارستقراطى، يوحى أنه لم يجرب حياة ضنينة، يعيش متنقلا من نجاح لنجاح.. هنا، يطالعنا كدون جوان، ورث عشق النساء من والده، الزائغ العينين، الطبيب النفسانى، الذى يسيل لعابه على مريضاته! وهو أمر جارح من الفيلم، وإن كان من حسن الحظ يأتى كإشارة عابرة، وكمجرد مدخل يمهد لقيام الابن بمحاولة إيقاع ثلاث فتيات فى حبائله، كنوع من الثأر لمريض فقد القدرة على الكلام، بسبب رفض الثلاث له، وأنه، حسب ظن الطبيب، سيشفى، حين يعلم بأنهن خدعن.. ويضيف السيناريو دافعا آخر لقيام الابن بهذه المهمة، يتمثل فى تنازل الأب عن مصنع كانت تملكه زوجته الراحلة.

بعيدا عن تلك المقدمات المتهالكة، يدخل «زنقة» فى منطقته الأساسية: حسن الرداد، واسمه فى الفيلم «على منير الجحش»، يبدأ مشوار تقمص ثلاثة نماذج تتواءم مع ميول ضحياته، تساعده، سكرتيرة والده، كوكو، بأداء خفيفة الظل، إيمى سمير، حيث تكرر دورها، فى مسلسل «هبة رجل الغراب».

ثمة خيوط من ذهب، تلتمع تحت ركام الفيلم، تتجسد فيما تتمناه كل بنت فى شريك حياتها.. أمنيات إنسانية، منطقية ومشروعة، تبين بجلاء نضج البنت المصرية، احتياجاتها المتواضعة، البسيطة، التى تنتمى، جوهريا، لحقوق المرأة أو الإنسان.. ويحاول «على منير الجحش» بالثلاثة نماذج التى ينتحلها، أن يظهر بالصورة التى تحلم بها كل بنت.

آيتن عامر، اسمها فى الفيلم «سهام بدر»، فتاة رقيقة، محجبة، متدينة، مهذبة، يخفق قلبها بعد تردد، بحب الفارس المزيف، يرتدى الجلباب الأبيض، يمسك بالسواك، يضع طاقية على رأسه، فوقها شال خفيف، يلصق زبيبة على جبهته، لا يصافح، يبتسم ابتسامة الورع، يسبق كلامه بكلمة «الأخت.. سهام».. وهى، ترى فيه طاقة حنان وجدية والتزام، وإن أخذت عليه ذلك التزمت والمغالاة.

الثانية، شكرية ــ بأداء مى سليم ــ فتاة منسحقة، تحاول التخلص من براثن زوج والدتها، الشرير، الذى يجبرها على ممارسة أشياء لا تحبها، وتفشل فى تحقيق استقلالها إلى أن يظهر الفارس، فى هيئة الطبال، ويعلمها الرقص، على طريقة أحمد زكى ونبيلة عبيد فى «الراقصة والطبال»، وفى لفتة جميلة، يشير حسن الرداد إلى القدير أحمد زكى، مبتعدا عن تقليده، وينجح مخرجنا الجديد، خالد الحلفاوى، فى إضفاء لمسات كوميدية، كالخوف والتردد، وعدم التمكن من ضبط إيقاع الطبلة، عند المتنكر.. وأخيرا، يتحقق استقلال «شكرية».

ثالث البنات، سميحة العو، بأداء ممثلة أعترف أنى مفتون بقدراتها، منذ شاهدتها فى مسلسل «سجن النساء».. هنا، تنهض بالمشاهد التى تشارك فيها، تمنحها مذاقا واقعيا، طبيعيا إن شئت توحى أنها عاشت فى أدغال مناطق وحشية، صارعت، بدنيا، المرة تلو المرة، وثمة آثار «بشلة»، شقت خدها الأيسر، وتعلمت ضرب المطواة التى لا تفارقها أبدا.. الممثلة التى سيصبح لها شأن كبير، هى نسرين أمين.. يدرك بطلنا أن التسلل إلى قلب «العو»، لن يتحقق إلا عن طريق احترامها.. وها هو، بذوق وكياسة، يعاملها كما لو أنها «ليدى»، مما يجعلها تهيم به.

بعيدا عن النهايات المرتبكة، المتوالية، شأنها شأن البدايات، يبقى للفيلم ذلك التصور الناضج، المأمول، الذى تحتاجه البنت المصرية فى فارسها، أن يكون متدينا بلا مغالاة، يعترف ويساعد على استقلالها، وأن يعاملها باحترام.. إنه فيلم قابل للمشاهدة، يستحق نجاحه، جماهيريا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved