زيارة الملك سلمان... النتائج والمحاذير

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 11 أبريل 2016 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

زيارة الملك سلمان إلى القاهرة خلال الأيام الماضية كانت ذات أهمية استثنائية، ليس فقط للطرفين المصرى والسعودى، وإنما للمنطقة بأسرها. فقد مثلت فرصة لتجاوز بعض الفتور بين الجانبين بسبب اختلاف وجهات النظر حول القضايا الاقليمية الرئيسية، ولاستعادة الحماس والعنفوان فى مجال التعاون الاقتصادى، ولإعادة التوازن فى المنطقة العربية. وبرغم إن الوقت لا يزال مبكرا لتقييم الزيارة بشكل كامل، إلا أن الواضح أنها حققت عددا من النتائج المهمة والإيجابية على الصعيدين الاقتصادى والسياسى.

على الجانب الاقتصادى فقد أسفرت، وفقا للمنشور إعلاميا، عن أربع نتائج رئيسية: (١) حصول مصر على نفط خلال السنوات الخمس المقبلة بشروط ميسرة، (٢) الاتفاق على برنامج تنمية سيناء بتكلفة مليار ونصف المليار دولار وتشمل تجمعات سكنية وجامعة ومحطة صرف صحى وطرق وتجمعات زراعية، (٣) الاستثمار فى منطقة خليج السويس بما يقرب من أربعة مليارات دولار، (٤) اتفاقات متنوعة أهمها المساهمة فى إنشاء محطتى كهرباء غرب القاهرة وديروط وتطوير مستشفى قصر العينى. وبجانب ما سبق فقد تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم للتعاون بين الوزارات، بجانب مذكرة انشاء صندوق استثمار، وأخرى لإنشاء منطقة اقتصادية فى سيناء، وإن كانت هذه المذكرات لا تعبر إلا عن النوايا الحسنة والرغبة فى تعاون مستقبلا.

أما على الجانب السياسى فالواضح أن العاهل السعودى كان يستهدف تجاوز النمط التقليدى للزيارات السابقة التى كانت تقتصر على الطقوس الرسمية، والاجتماعات المغلقة، والقرارات الختامية، للتأكيد على رغبته هذه المرة فى التقارب مع الشعب المصرى. ولذلك كانت زياراته إلى الأزهر الشريف وجامعة القاهرة ومجلس النواب بجانب لقائه مع الأنبا تواضروس وبعض ممثلى مجتمع الأعمال، ذات مغزى واضح فى الحرص على فتح قنوات جديدة مع المجتمع، وهذه خطوة محمودة للغاية.

ومع ذلك فإن ما أضر بهذه الزيارة وجعلها تفقد بعضا من أثرها الإيجابى هو التكتم من الجانب المصرى على النتائج المتوقعة منها، والاعتقاد بأن الإعلان عن مشروعات وقرارات وسياسات لم تكن مطروحة للنقاش وغير معروفة التفاصيل من قبل ــ بطريقة المفاجآت السارة ــ سوف يزيد من وقعها الإيجابى ويجعل أثرها مضاعفا. والحقيقة أن هذا الأسلوب لم يعد مناسبا للعصر كما انه يثير التوجس حتى فيما لا داع له. والرأى العام المصرى معه كل الحق فى ذلك بعد الطريقة التى تم بها الإعلان عن العاصمة الإدارية الجديدة فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى ورفع الستار عن مخطط ومجسم كامل للمدينة دون أن يسبق ذلك أى حوار أو دراسة أو تمهيد لدى الرأى العام، ثم بانتهاج ذات الأسلوب عند اتخاذ قرار توسعة قناة السويس، ثم استصلاح ملايين الأفدنة. وللأسف فإن الأمر نفسه تكرر مع هذه الزيارة التى أعلم ان الجانب السعودى كان شديد الحرص على أن يسخر لها كل الموارد والطاقات لكى تحقق اثرا ملموسا على الاقتصاد المصرى، وتفتح صفحة جديدة فى العلاقات الرسمية والشعبية بين البلدين. وكان على الجانب المصرى ــ الأعلم بجمهوره ــ أن يعلم ان الشفافية مطلوبة خاصة فى تناول المواضيع الثلاثة التالية:

الموضوع الاول هو الجسر المزمع إنشاؤه بين البلدين، إذ مع غياب أى تفاصيل حول موقعه، وتكلفته، وطبيعة تمويله، والعائد الاقتصادى من إنشائه، وأثره البيئى، وتأثيره على المناطق التى يبدأ وينتهى منها، فإن الناس من حقها أن تتوجس من آلية اتخاذ القرار ومن عدم طرحه لحوار مجتمعى قبل الاتفاق على تنفيذه.

أما الموضوع الثانى فهو طبيعة التمويل المقدم من المملكة العربية السعودية بشكل عام فى كل المشروعات المعلن عنها. ما الذى تقدمه الحكومة وما الذى يأتى من القطاع الخاص؟ ماذا يمثل منحة لا ترد وما الذى يعتبر قرضا واجب السداد مستقبلا؟ وإذا كانت قروضا فبأى شروط؟ وكيف تم تحديد أولويات المشروعات التى سيتم تنفيذها؟ ولماذا لم يأت أى ذكر لها فى برنامج الحكومة المقدم لمجلس النواب منذ بضعة أيام؟ وما أثرها على زيادة الدين الخارجى وعبء سداده؟ هذه أسئلة مشروعة حتى ولو كان التمويل بشروط ميسرة، وعلى الحكومة المصرية الإجابة عنها لأن الاقتراض فى كل الأحوال يمثل عبئا على الأجيال القادمة.

وأخيرا فإن أسلوب المباغتة فى عرض موضوع جزيرتى «تيران» و«صنافير» لم يكن موفقا ولا مقبولا بالمرة. وأنا لا أزعم العلم بتاريخ الجزيرتين ولا بوضعهما وفقا للقانون الدولى، وقد تكونا بالفعل ــ كما أكد بيان مجلس الوزراء ــ تقعان فى نطاق الحدود الإقليمية السعودية وحقا لها. ولكن الأكيد أن الإعلان عن قرار لجنة ترسيم الحدود بين البلدين دون تمهيد أو مقدمات كان خطأ فادحا فى إدارة الملف، وكان يجب طرح الأمر على الرأى العام وتبصير الناس بأن هناك لجنة مشتركة بين البلدين على وشك أن تصدر توصيتها لكى يتاح للمجتمع المعرفة ولمجلس النواب المراقبة وللإعلام التوعية.

علينا أن نقدر ونرحب بحرص المملكة العربية السعودية على مساعدة مصر فى تجاوز أزمتها الاقتصادية، ورغبتها الصادقة فى الاستمرار فى تقديم كل المساندة والدعم حتى فى ظل ظروف إقليمية واقتصادية عصيبة، وعندى قناعة بأن التعاون بين مصر والسعودية ضرورى لإعادة التوازن والاستقرار للمنطقة العربية ووضعها على طريق التنمية والبناء. ولكن سوء إدارة هذا التعاون من جانبنا والإصرار على سياسة الحكم بالمفاجأة لم تعد تناسب العصر كما انها تثير من المشكلات والحساسية والتوجس فيما يمكن تجنبه لو توافر المزيد من الشفافية. والمدهش أن الوزراء والمسئولين السعوديين الذين تحدثوا مع الإعلام المصرى خلال الأيام الماضية بدوا أكثر استعدادا للإجابة على الأسئلة والمخاوف من أقرانهم من الجانب المصرى.

لقد رحب الشعب المصرى بالعاهل السعودى ترحيبا حارا ومخلصا وبما يليق بعمق العلاقة والاخوة بين البلدين وبأهمية التعاون الاقتصادى والتجارى بينهما، ولكن هذه علاقة تحتاج من جانبنا لقدر اكبر من الجدية والشفافية فى الإدارة حتى لا تتحول كل مبادرة إيجابية فيها إلى سبب جديد للخلاف وسوء التفاهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved