إصلاح الجامعات أولوية أولى لتطوير التعليم

معتمر أمين
معتمر أمين

آخر تحديث: الإثنين 11 سبتمبر 2017 - 10:40 م بتوقيت القاهرة

مع بداية العام الدراسى الجديد، تتجدد الآمال فى أن يكون هذا العام أفضل من السابق. ولعل وجود وزير له تطلعات مثل الدكتور طارق شوقى، يغذى هذه الآمال، ويجعل أولياء الأمور يحسبون أن الأمور قد تتغير بالفعل إلى الأحسن. والحكاية فى كلمتين أننا نرغب فى أن نرى الدولة تسير خلف سياسات الجودة وتتبناها من أجل تحقيق نقلة فى حياة المصريين. أما سياسات الإتاحة المتبعة فى الوقت الراهن فهى مجرد تسيير الأمور إلى الوقت الذى نستطيع فيه مواجهة مشكلة الجودة فى التعليم. وعلى جانب آخر من المعادلة يوجد أولياء الأمور. والأب والأم عموما ليسوا مسئولين عن جودة التعليم، ولكن عن مستقبل أولادهم. لذلك نجد أسرا تكافح من أجل فرصة تعليم أفضل لأبنائها، حتى لو كانت ترجمة هذا الحلم تساوى إنفاق 80% من دخل البيت من أجل التعليم. يحدث هذا على مستوى المدارس التجريبية، والمدارس الخاصة، والمدارس الدولية. 
فى شهور الصيف، قرأنا الكثير عن شكاوى تنهال من أولياء الأمور بخصوص التعليم الدولى والخاص، وكيف أن مصروفات المدارس تضاعفت بالرغم من وجود قرارات وزارية تنظم الزيادة ونسبتها. وفى حين أقرت الوزارة بزيادات فى المصاريف تصل إلى 14% عن مصاريف العام السابق، إلا أن أصحاب المدارس رفعوا الأسعار إلى نسب تزيد عن هذا بكثير، ووصل الكثير منهم إلى 65% زيادة! وهرع الأهالى إلى الإدارة المختصة فى وزارة التربية والتعليم وإلى مكتب الوزير، وانهالت الوعود بأن كل شىء سيتم بناء على القرار الوزارى. لكن هل التزمت المدارس الدولية؟ لقد بدأ العام الدراسى والأهالى لا يعرفون، هل مطلوب منهم تدبير 60 ألف جنيه أم 100 ألف جنيه لمصاريف المدرسة هذا العام! وهذه الأرقام ليست جزافية بل أرقاما حقيقية من أرض الواقع.
وفى حديث مع مجموعة من الأهالى تصادف أن قابلتهم فى أروقة وزارة التربية والتعليم، وجدت حوارا عن المقارنة بين المدارس الدولية، وكيف يستطيعون نقل أولادهم إلى مدارس دولية أخرى أقل كلفة، وفى نفس مستوى جودة التعليم. والتحدى الذى يقف أمام عملية النقل هو نظام التعليم. فالبعض فى نظام أمريكى ويريد التحويل إلى النظام البريطانى. لكن الأخير أصعب فى السنوات النهائية. ومن ثم يوجد تحدٍ كبير أمام التلاميذ فى تغيير نظام تعليمهم فى السنوات الأخيرة من الدراسة. ناهيك عن حالة عدم الثبات التى تحدث للتلاميذ بعد تغيير البيئة التى اعتادوا عليها لمدة طويلة. ثم طرح أحد المتحدثين رأيا مفاده أن الجامعة هى الأهم، ولذلك سيقبل نقل أبنائه إلى مدرسة دولية فى متناول اليد على أن يحتفظ لأولاده بأموال كافية لكى يستطيعون دخول جامعة «عدلة». ولا أعرف ما الذى لمسنى فى كلام أخونا هذا. فلقد شعرت بتأثر بالغ من حديثه بأكثر من باقى المجموعة. ثم تذكرت مسألة مهمة بخصوص التعليم عموما. 
إن ميزانية التعليم فى مصر شاملة كل مراحله من الحضانة إلى الجامعة بالإضافة إلى البحث العلمى هى 107 مليارات جنيه. فى حين أن المطلوب طبقا للدستور يتخطى 240 مليار جنيه. فإذا كانت الحكومة لا تستطيع توفير هذه المخصصات، فعلى الحكومة ترتيب أولويات الإنفاق بحيث نستطيع الوصول إلى أعظم عائد. ماذا لو تبنينا منطق الرجل الذى يكافح من أجل مصلحة أولاده، والذى رأى أن سنوات الجامعة أهم لأبنائه من سنوات المدرسة، فالجامعة تحدد مستقبلهم بطريقة أكبر من المدرسة. فماذا لو ركزت الحكومة جهودها فى ملف إصلاح التعليم على الجامعات والمعاهد والدراسات العليا؟ إن عدد تلاميذ المدارس يصل إلى 20 مليونا، بينما عدد طلاب الجامعة 2.5 مليون! ثم إن عدد المدارس 50 ألف مدرسة بينما الجامعات 21 جامعة حكومية ونحو 100 مؤسسة أخرى خاصة.
***
إصلاح الجامعات أسهل كبداية، وأسرع فى تحقيق النتائج. والدليل على سبيل المثال هو الكليات العسكرية. إن خريجى المدارس كلها يتساوون لدى دخولهم إلى الكليات العسكرية. والأخيرة تصنع منهم رجالا على قدر عالٍ من الاحترام، ولديهم قدر كبير من العطاء والتفانى والانضباط. وإذا كانت الكليات العسكرية تستطيع عمل هذه النقلة النوعية الكبيرة، فهذا معناه، أن إصلاح الجامعات قد يؤتى بنتيجة إيجابية فى وقت قصير لا يتعدى سنتين أو ثلاثة. كما يعنى إصلاح الجامعات أن تطوير التعليم ما قبل الجامعى سيخضع لشروط الجامعات المطورة ولابد أن يتقدم خطوات إلى الأمام. وإذا كانت دولة مثل الهند وجدت ضالتها فى نظام المدارس المتقدمة (STEM) التى تختار نخبة من العقول الذكية من بين التلاميذ وتدفع بهم إلى تعلم الرياضيات والعلوم والكمبيوتر فى المدرسة، لكى يصبحوا خريجين على مستوى عالٍ ينافس دوليا، فإن هذه السياسة نجحت فى الوصول بخريجى الهند إلى كبرى المناصب فى عالم المال وصناعة تكنولوجيا المعلومات على مستوى العالم. نفس التجربة نجدها فى الصين ولكن بطريقة أخرى. ان الصين لديها 1.4 مليار نسمة، وعندهم 2.5 مليون طبيب. وهذا معناه أن هناك طبيبا لكل 560 مواطنا. بينما المعيار العالمى طبقا لمنظمة الصحة العالمية هو طبيب لكل 1000 مواطن! كيف فعلت الصين هذا؟ التركيز على الجامعات جعل هذا الأمر ممكنا. لاحظ أن نسبة الأطباء فى مصر أقل من المطلوب قليلا، فنحن لدينا طبيب لكل 1250 مواطنا. وهذه نسبة أفضل من الهند على سبيل المثال، فهم لديهم طبيب لكل 1674 مواطنا. وهذا معناه ان مسألة تطوير الجامعات لابد ان تسير بقدر متساوٍ على جميع التخصصات، فليس معنى التقدم فى مجال الرياضيات وتكنولوجيا المعلومات ان باقى المجالات ستتقدم بمفردها.
***
ونعود لمصر، إن أصل الحكاية فى كلمتين هو التقدم. لا سبيل للتقدم فى حياة الإنسان إن لم يسبقه تقدم فى عالم الأفكار. يستوى فى ذلك الكبار والصغار. متى تعلم الإنسان تغيرت أحواله. ومتى استمر فى التعلم تطورت حياته. والتعليم لا ينتهى بالتخرج. ولكن التعليم هو أسلوب حياة. فإذا كان الأساس لدينا ضعيفا فى المدارس، وتطلب إصلاحها الكثير من المال الذى لا يوجد لدينا، فمن الممكن ترتيب الأولويات بحيث نطور التعليم الجامعى أولا، ثم التعليم ما قبل الجامعى ثانيا. لاحظ أن خريج الجامعة هو الأقرب إلى سوق العمل، وإذا استطاع الحصول على عمل جيد بدخل مرتفع بعد تخرجه، وإذا استطاع الدخول إلى شركة صناعية، أو مؤسسة دولية، أو شركة متعددة الجنسيات، فإنه بذلك يحصد جائزة تعبه، ويعود بالنفع على نفسه وأهله ومجتمعه. وكلما زاد لدينا عدد الخريجين من هذه النوعية كلما تقدم دخل الدولة. ولقد فطنت الهند إلى هذه المعادلة، لذلك وضعت تركيزها على 10 إلى 15% من المميزين فى المجتمع لكى يحصلوا على تعليم متقدم، ويعاونوا الحكومة فى تحمل التكلفة الرهيبة لكتلة السكان الكبيرة فى الهند. هذه التجربة لابد ان تكون ماثلة أمامنا ونحن نخطو خطوة إلى مجموعة البريكس. المفتاح هو تطوير الجامعات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved