من يخرج الخشبة من عين حكامنا؟

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الثلاثاء 11 أكتوبر 2011 - 9:40 ص بتوقيت القاهرة

اقرأوا الأحداث جيدا.. قبل ثلاثة أسابيع فقط من ثورة 25 يناير كان هناك من يحاول تجهيز المسرح المصرى لحرب طائفية لا تبقى ولا تذر، مستغلا فاجعة تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية فى عيد الميلاد المجيد.

 

كانت سحب الاحتقان تتجمع وتكاد تحجب رؤية المصريين لتاريخهم ومستقبلهم، وبدا وكأن هناك من وقف وراء صناعة ذلك المشهد الإرهابى من أجل صياغة واقع سياسى شديد الانحطاط، إذ كان نظام مبارك قد أتم جريمة الانتخابات البرلمانية الممهدة للتوريث وشرع فى إجراءات فرض جمال مبارك قيصرا جديدا على الأمة.

 

وقد كتبت فى هذا المكان سلسلة أعمدة محذرا من أن تفجير القديسين من صنع شياطين الداخل قصد به دفع البلاد إلى جحيم اقتتال طائفى سيكون جدارا عازلا بينها وبين حلم التغيير، وعلقت على صورة منشورة فى «الشروق» تتشابك فيها يدا المثقف المصرى البارز أمين اسكندر مع يدى القيادى الإخوانى محمد البلتاجى، كلقطة شديدة الدلالة على أن ما يجرى لا يعبر عن فتنة طائفية، حاول النظام الساقط صناعتها وغذاها إعلامه البائس وقلت نصا «أعرف أن المصيبة فادحة، وأن الحزن فوق الاحتمال، لكن الأحزان على جسامتها تتيح نوعا من أنواع التطهر والاغتسال الروحى، فلنستغل الفرصة وبعد أن نعترف «بأنا كنا ساديين ودمويين وكنا وكلاء الشيطان» ونستعيد مصر من أولئك الذين خنقوها وحشروها فى أنبوب العجز وقلة الحيلة، وأغلقوا كل النوافذ المطلة على أحلام التغيير والنهوض من جديد.

 

علينا أن نتوحد جميعا كى ننتشل مصر من تحت أنقاض سياسات بليدة سلمتها تسليم مفتاح لمجموعة من المغامرين النصابين تعاملوا معها باعتبارها شركة أو مجموعة اقتصادية، يمصون دمها ويجففون نهرها كل يوم، ويحجبون شمسها عن أبنائها.

 

وأكرر أن اللحظة سانحة، كما لم يحدث من قبل، للمجتمع المصرى لكى يستعيد روحه التى أزهقها بارونات الفكر الجديد».

 

وبالفعل لم تخيب مصر ظن محبيها وجاء الرد سريعا وبليغا ومزلزلا فى 25 يناير، حين توضأ محمود من ماء يصبه دانيال لتنبت الثورة على أرض ميادين التحرير، ويسطع الهتاف التاريخى المدهش «إيد واحدة» وينتصر «المصرى» على جلاديه وسجانيه وخاطفى أحلامه، وتسقط العصابة التى أرادتها فتنة طائفية تؤمن لها بقاءها جاثمة على صدر البلاد والعباد.

 

وأزعم أن هناك من يحاول تكرار اللعبة الفاشلة فيما جرى أمام ماسبيرو مساء أول أمس بالنفخ فى نار الطائفية مجددا، ومحاولة توصيف الوضع على أنها مظاهرات قبطية عدوانية ضد الدولة، بل إن من «كائنات ماسبيرو الغريبة» من أتى بخطاب ساقط يحرض فيه المصريين للقتال ضد «أقباط يعتدون على الجيش».

 

غير أن المحاولة فشلت فى نقل المسألة من قضية مواطنين يشعرون بالغبن خرجوا فى مظاهرة تطالب بما يرونه حقا لهم، إلى أزمة طائفية بين المسيحيين والمسلمين، وكالعادة أثبتت مصر أنها أكبر من الذين لم يتعلموا الدرس من سابقيهم، ولسوف تنتصر لأنها جديرة بالحياة.

 

لقد كشفت الأحداث عن ردة إعلامية رسمية لا يضاهيها تخلفا وانحطاطا إلا إعلام أنس الفقى، ولا يبقى إلا أن نبتهل جميعا إلى الله الواحد ألا تأتى المعالجة السياسية للكارثة على طريقة المعالجة الإعلامية.

 

فليكف سرب الخبراء الإستراتيجيين المتقاعدين عن الثغاء ولينظر الذين يحكمون البلاد فى المرآة جيدا ويراجعوا أنفسهم وأخطاءهم القاتلة وليبحث عصام شرف عن كلام ىخر غير شماعة المؤامرة الخارجية لإثارة الفتنة ولتتدبر جميع الأطراف هذه الكلمات «لماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها». 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved