فى منافع وعواقب تصاعد منسوب المعرفة السياسية

محمد رءوف حامد
محمد رءوف حامد

آخر تحديث: الخميس 11 أكتوبر 2018 - 9:30 م بتوقيت القاهرة

إذا كانت ظاهرة «تصاعد منسوب المعرفة السياسية عند عموم المصريين» قد استحقت فى تناول سابق الإشارة إلى «معناها»، و«تلقائيتها»، و«مظاهرها»، فإن التمعن فى تبعاتها ومخرجاتها من المنظورين الأخلاقى والمستقبلى يصير ضرورة.
أخلاقيا، لهذه الظاهرة «منافع» ممكنة و«عواقب» محتملة، وبالتالى فإن شأنها المستقبلى يختص بترشيد التوازن بين المنافع والعواقب، بما يحقق ارتفاعا عظيما فى الأولى وأكبر خفض ممكن للثانية، ومن ثم تأصيل للتأهل السياسى لعموم المصريين ولقدراتهم على إنجاز التقدم.
ولأن هذه الظاهرة تتجسد فى ارتقاءات ذهنية فى الفهم السياسى بمجمل تشابكاته على مستوى «أمة»، فإن التعامل المنهجى مع مخرجاتها ومستقبلياتها يكون بالاعتماد الكلى على «المعرفة».
هذا هو موضوع الطرح الحالى، ويتضمن البحث فى طبيعة الاعتماد على المعرفة وفى قدر المنافع الممكنة والعواقب المحتملة للظاهرة، وكذلك إدارة أوضاعها ومستقبلياتها، إضافة إلى تحسبات استراتيجية.

طبيعة الاعتماد على المعرفة:
المعرفة تكون هى الأفضل عندما تكون علمية، أى تُبنى على أساس المنهج العلمى فى التفكير. ذلك يجعلها دائمة التغير والتقدم فى الاتجاه الأمثل، الأمر الذى يتحقق من خلال عمليات «التقييم وإعادة التقييم»، سواء بشكل دورى أو بناء على ما يستجد فى التفاعل المنهجى مع الأسئلة والمشكلات التى يواجهها المجتمع بجميع تنوعاتها وتبايناتها.
التأهل السياسى بين المنافع والعواقب:
تصاعد منسوب المعرفة السياسية عند عموم المصريين يؤدى إلى ارتفاع فى التأهل السياسى لجميع الأطراف الرئيسية فى الشأن الوطنى العام [المواطنين – الحكومة – السلطة (السياسية) – المفكرين].
وكلما ارتقت درجات التأهل (والتعمق) السياسى لهذه الأطراف زاد ارتقاء تفاعلاتها مع بعضها، وارتقت جودة تواصلاتها وتشابكاتها وحركياتها البينية.
ذلك يعنى ارتفاع فى القدرة الجماعية/الفورية على رسم وتصحيح الأفعال وردود الأفعال، أو ما يمكن أن يطلق عليه التغذية المرتدة. عندها تكون مصر بجميع مكوناتها ممارِسة للتقدم، الآمن فى توازنه، والمتسارع فى إنجازاته، أى ما يمكن أن يطلق عليه «التقدم الأُسى».
وهكذا، تتجسد المنافع العملية المستقبلية لتصاعد منسوب المعرفة السياسية عند عموم المصريين فى دعم التحول إلى أعلى مستويات «الثقة» و«التمكين» بين جميع الأطراف.
عندها، وكداع للارتقاءات الوطنية العامة فى الثقة والتمكين، تتواصل المنافع فى البزوغ والارتقاء والانتشار.
أما عن العواقب، فقد تتمثل فى محاولة أى من الأطراف الرئيسية فى الشأن الوطنى العام (أو المنتمية إليها) الاتجاه إلى عرقلة تمكين طرف آخر (أو أكثر)، الأمر الذى قد ينشأ نتيجة لقدر من التعجل أو التطرف أو إحساس بالفوقية. وفى كل الأحوال فإن «فرصة» ظهور عواقب تتناسب مع قدر الافتقاد إلى «المنظومية» الصحيحة.
وهكذا، يمكن القول بأن المستقبل الوطنى يعتمد على قدر ما يمكن أن يمارس من ترشيد (وإدارة) للتوازن بين المنافع والعواقب لظاهرة تصاعد منسوب المعرفة السياسية، من أجل التوصل إلى:
1ــ تعظيم الإنجازات المأمولة (مهما كانت الصعاب).
2ــ تقليل التكاليف والخسائر.
3ــ تجنب ممارسات قد تحمل طابع التطرف من أى من أطراف المجتمع.

إدارة أوضاع ومستقبليات تصاعد منسوب المعرفة السياسية:
هذا المستوى النوعى للإدارة يحتاج إلى درجة عالية من «الحس» و«الحساسية» بخصوص تطورات «منسوب المعرفة» السياسية من جانب، وما يمكن أن يتولد عنه فى العزيمة والرؤية من جانب آخر.
يتطلب ذلك حزمة من الإدراكات والتى يمكن تصنيفها إلى «مفاهيم» و«توجهات».
أ‌ــ اعتبارات مفاهيمية أساسية:
1ــ التصاعد فى «منسوب المعرفة» السياسية عند عموم المصريين يعنى ضرورة التحول إلى إدارة التعامل معهم (ومع شئونهم الحياتية)، بقدر الإمكان بالاعتماد على مبادئ وأسس «إدارة المعرفة».
2ــ اللجوء إلى المعرفة العلمية كآلية رئيسية فى التعامل مع أية أسئلة أو مشكلات تتعلق بالشأن الحياتى للمواطنين وللوطن، الأمر الذى يحتاج إلى أعلى استعانة ممكنة بجميع أنواع وأطياف الخبراء من ذوى الصدقية العالية.
3ــ الانتباه إلى أن «الاستراتيجية» الأمثل (خاصة فى زمن القرن الـ 21) لا تأتى إلا من خلال فرق وورش عمل، ومن التدقيق والتنقيح بالرجوع إلى الدراسات العلمية والخبرات ذات الصلة.
4ــ الانطلاق فى التعامل مع أية مشكلات (أو إشكاليات) كبرى من تقييم ثلاثى الأبعاد الزمنية، بتحليل وفهم ما مضى (أو ما كان)، وبوصف لما يجرى بالفعل، ثم بالانتقال إلى ما ينبغى أن يكون.
كل ذلك فى إطار تشابكى بين المشكلات وبعضها، وبين الحلول (أو التصورات المستقبلية) وبعضها.
5ــ الحاجة إلى إرساء فهم مجتمعى (ناضج ومتكامل) لانتقالية المرحلة الجارية باعتبارها تأتى ــ تاريخيا ــ فى ظل مخرجات 25 يناير وتوابعها، وعلى رأسها 30 يونيو، بما يتضمنه ذلك من مفاهيم وحركيات واعتبارات تتعلق بالثورة كتوجه استنهاضى جماعى وطنى، وأيضا باعتبارها تشهد حركيات اقتصادية سياسية متباينة (القروض والمشروعات الكبرى والديون... إلخ).
6ــ تطلع عديد من المصريين، ليس إلى تغييرات (ومجابهات) سياسية (أو ما يعرف بالـ Politics)، ولكن إلى مواقف ومخططات فكرية سياسية (أى Policies)، أكثر نضجا وجماعية وأطول مدى.

ب‌ــ توجهات عملية:
بقدر الإتقان والاستيعاب فى نسيج الاعتبارات المفاهيمية السابق ذكرها تكون التوجهات العملية أكثر نضجا وتكاملا وتأثيرا.
من أهم هذه التوجهات يمكن الإشارة إلى:
1ــ التوصل إلى (والاعتداد بـ) توافقية فكرية/سياسية بشأن كل من:
◘ التوجهات السياسية الكبرى (بمعنى Policies).
◘ منظومية الدولة وإدارة التفاعلات ثنائية (أو متعددة) الاتجاهات.
◘ الإشكاليات الوطنية التى قد تُرى كإشكاليات حرجة (على غرار: علاقة البحث العلمى بالتنمية – الدور التنموى لبعض أجهزة الدولة – المهام الوطنية/الإنسانية للعمل الأهلى).
2ــ مواجهة التطرف (داخل المجتمع)، بحيث يتم القضاء على أى تصرفات أو سلوكيات تطرفية الطابع من (أو داخل) المؤسسات الوطنية، مهما تضاءل حجم هذه التصرفات أو السلوكيات. إضافة إلى ضرورة التعامل النفسي/الاجتماعى العلمى مع ما يمكن أن يمثل تطرفات صغرى (أو بذور تطرف) على مستوى الحياة اليومية مع الاعتداد دوما بدور السلطة القضائية.
3ــ إشراك «الناس» فى اتخاذ القرار، ودعم تحويلهم إلى ممارسة الإبداع (المجتمعي)، الأمر الذى يمكن أن ينعش وينمِّى القدرات الفردية والجماعية والمؤسساتية. هذا التوجه يمكن أيضا أن يمنع الكوارث (مثل حالة وفاة تلميذ تحت أقدام زملائه فى أول أيام العام الدراسى).
وفى المقابل، فإن إقصاء الناس عن عملية اتخاذ القرار يسمح بالتراكم لشحنات تطرفية داخلهم، ما يتناقض تماما مع ملامح ومعطيات مصر 25 يناير و30 يونيو.
4ــ التوصل إلى توافق وطنى إلى مدونة للمارسات السياسية الجيدة Good Political Practice لجميع أطراف المجتمع.

تحسبات إستراتيجية:
◘ لأن تصاعد منسوب المعرفة السياسية عند الإنسان العادى يُرقْى من تأهله لتبادل الفهم وللمساهمة فى توليد الرأى والرؤية، وبالتالى الحس بالذات وتحقيقها، فإنه (أى الإنسان العادى) يصير أكثر رغبة وقدرة بشأن المشاركة فى اتخاذ القرار، بحيث إذا حُرم من ذلك بشكل أو آخر (مثل الإدارة المطلقة «من فوق لتحت«)، يتنامى لديه عدم الرضا، ما ينعكس سلبيا على تفاعلاته مع الغير ومع الأشياء.
فى هذا الخصوص تشتد الحاجة إلى التحول من الإدارة التقليدية (وجوهرها هرميات الأوامر) إلى الإدارة بالاعتماد على الأساليب المعرفية، والتى تبدأ بالتمكين وتقود إلى تنشيط التشبيك وبث الانتماء ومنظومية الابتكار.
◘ فى غيبة الإدارة بالمعرفة، ومع تراكم الحس بعدم الرضا، تتفاقم الأنمالية (عدم الاكتراث بالشأن العام وبشئون العمل)، الأمر الذى قد يؤدى إلى بزوغ قدر من المقاومة، والتى تسمى هنا «مقاومة من لا يملك القوة» (Resistance of the powerless).
هذا النوع من المقاومة يتسبب فى زيادة تدريجية للأعراض النفسية والاجتماعية غير الحميدة للفرد وللمجتمع، مع ما لذلك من تبعات سلبية، وزيادة للشواش (أو لقدر من الفوضى المسببة لتعقيدات وتدهورات حياتية مجتمعية مختلفة).
◘ الإنسان العادى هو «سر مصر»، كما أن المعرفة هى «سر التقدم».. ولأن للمعرفة حركية فإن ارتفاع منسوبها عند المواطن العادى يأذن بأحسن وأأمن الحركيات لإبداع التقدم المصرى، الأمر الذى يتطلب تعظيم الاعتماد على المنهج العلمى فى عموم شئون الوطن.

أستاذ جامعى.
الاقتباس
لأن تصاعد منسوب المعرفة السياسية عند الإنسان العادى يُرقْى من تأهله لتبادل الفهم وللمساهمة فى توليد الرأى والرؤية، وبالتالى الحس بالذات وتحقيقها، فإنه (أى الإنسان العادى) يصير أكثر رغبة وقدرة بشأن المشاركة فى اتخاذ القرار

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved