يحققون فينجحون.. ولا نحقق فيتكرر الفشل

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الخميس 11 ديسمبر 2014 - 7:50 ص بتوقيت القاهرة

على مدى 5 سنوات وبتكلفة بلغت 40 مليون دولار حققت لجنة أمريكية فى جرائم التعذيب والانتهاكات التى تورطت فيها أجهزة المخابرات الأمريكية خلال ما يعرف باسم «الحرب على الإرهاب». وانتهى التحقيق بتقرير ناقشه مجلس الشيوخ الأمريكى متجاهلا التحذيرات التى أطلقتها أجهزة الأمن والمخابرات من تداعيات الكشف عن هذه الجرائم وما يمكن أن يسببه من أعمال عدائية ضد المصالح الأمريكية. ولم يكن التحقيق يستهدف بالطبع مجرد كشف جرائم أجهزة المخابرات ولا الإساءة إليها، وإنما العكس هو الصحيح لأن هدف التحقيق هو تطوير أداء وكفاءة هذه الأجهزة ومنع تكرار مثل الانتهاكات.

وقبل نحو 13 عاما عندما استيقظت أمريكا على كارثة هجمات 11 سبتمبر الإرهابية تقرر تشكيل لجنة تحقيق مستقلة برئاسة وزير الخارجية المخضرم هنرى كيسنجر، لبحث أسباب فشل أجهزة المخابرات والأمن فى إحباط هذه الهجمات التى نفذها تنظيم القاعدة انطلاقا من كهوف أفغانستان. ولم يخرج فى أمريكا من يقول «إننا نملك أعظم جهاز مخابرات فى العالم» ولا من يقول إن «التشكيك فى كفاءة وعظمة المخابرات والقوات المسلحة الأمريكية فى هذه اللحظة العصيبة التى تمر بها البلاد جريمة». فما حدث هو العكس تماما. انطلقت لجنة التحقيق تجمع كل ما هو متاح من معلومات وتستجوب كل من تحتاج إلى استجوابه بهدف واحد فقط وهو وضع يدها على أوجه القصور والثغرات التى نفذ منها الإرهاب حتى لا تتكرر الكارثة.

وللأسف الشديد فالمرء يجد نفسه مضطرا فى هذا السياق إلى الحديث عن إسرائيل صاحبة أحد «أفضل السجلات» فى استخدام آلية التحقيق من أجل ضمان محاسبة المسئولين وتفادى تكرار الأخطاء. رأينا ذلك قديما مع لجنة أجرانات التى حققت فى هزيمة الجيش الإسرائيلى فى حرب أكتوبر 1973 وانتهت إلى إدانة مدير المخابرات ورئيس الأركان وعدد من قيادات الجيش الإسرائيلى وطالبت بإقالتهم، ورأيناه فى لجنة كهانا التى تولت التحقيق فى الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982 المعروفة باسم «عملية الجليل» وانتهت إلى إدانة وزير الدفاع فى ذلك الوقت آرييل شارون فاضطر الرجل إلى الاستقالة والابتعاد عن صدارة المشهد السياسى لسنوات، ورأيناه مع لجنة فينوجراد التى تولت التحقيق فى الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان عام 2006 المعروفة باسم «حرب لبنان الثانية» فحملت رئيس الوزراء إيهود أولمرت المسئولية قبل أن تقول إن «هذه الحرب شكلت اخفاقا كبيرا وخطيرا.. لقد كشفنا وجود ثغرات خطيرة على اعلى المستويات السياسية والعسكرية».

فى المقابل فمصرنا المحروسة لم تعرف إلى مثل هذه التحقيقات المستقلة سبيلا، بدءا من هزيمة 1948 وصولا إلى قضية التسجيلات المزعومة لقيادات عليا فى الدولة حول تقنين سجن الرئيس المعزول محمد مرسى، مرورا بنكسة 5 يونيو 1967 واغتيال رئيس الجمهورية أنور السادات عام 1981 فى قلب المؤسسة الأمنية والعسكرية والعملية الفاشلة لتحرير الطائرة المصرية المخطوفة فى مطار لارنكا القبرصى عام 1978 وغيرها. فحكام مصر يتعاملون مع الشعب بمنطق «الراعى والرعية» فلا تسأل الرعية عما يرتكبه الراعى من أخطاء أو خطايا. وحتى إذا ما قررنا إجراء تحقيق فيكون الهدف من البداية تبرئة القيادة و«المؤسسات المقدسة» وإدانة «عامل المزلقان» لذلك يتقدم الآخرون وننتقل نحن من فشل إلى فشل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved