من يحمى أطفال مصر؟

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 12 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

أسوأ الأشياء أن تتحول الجريمة إلى واقع نتعايش معه ونسقط تحت سطوته ليستمر المجرمون فى ممارسة جرائمهم ضد المجتمع الذى يعجز عن المواجهة، وبالتالى يغرى هؤلاء بارتكاب مزيد من الجرائم.

 

واقع جريمة الاعتداء الجنسى على الأطفال فى مصر من نوعية هذه الجرائم التى يتغافل عنها المجتمع، ولا يحاول مواجهتها بحلول تحد من هذه الظاهرة التى تنعكس أثارها على المجتمع بشكل سلبى، كان مثيرا لغضبى حديثى مع أحد المسئولين عن دور الرعاية الاجتماعية للأحداث والأيتام الحكومية حين قال لى بلا مبالاة إن الاعتداء الجنسى على أطفال الملاجئ ودور الرعاية يتراوح بين نسبة 30 و40% من إجمالى الأطفال، وأن هذه الاعتداءات قد تحدث بين الأطفال أنفسهم وقد تكون من أشخاص آخرين خارج هذه الأماكن.

 

•••

 

حين اقتربت من هذا العالم المخيف اكتشفت أن هناك عالما آخر لا نشعر به ولا نراه، حدثتنى إحدى الطبيبات التى كان عملها بأحد دور رعاية الفتيات عن ممارسات اجرامية تقوم على تسهيل عملية دعارة الأطفال عبر التواطؤ مع المسئولين عن الدار وبعض الفتيات من سن  14 ــ 16 سنة، حيث يتم السماح لهن بالخروج فى المساء لممارسة الدعارة على أن يقمن بتقسيم المال بينهن وبين المشرفين على الدار الذين يقومون بجلب راغبى المتعة الحرام من المجرمين الذين يفضلون ممارسة الجنس مع الفتيات الصغيرات.

 

أما الجريمة الأبشع التى عرفتها فهى حكاية طفل فى الثامنة من عمره كان يتم الاعتداء عليه بشكل شبه يومى من أحد المدرسين بالمدرسة الملحقة بدار الرعاية وساءت نفسيته لدرجة أوصلت الطفل الى الانتحار!

 

الاعتداء الجنسى على الأطفال جريمة مدمرة ضحاياها هم أولئك الأقل قدرة على حماية أنفسهم أو التعبير عن أنفسهم، كما أنه جريمة من الصعب إثبات ومحاكمة المتورطين فيها وللأسف يفلت أغلب مرتكبى التحرش والاعتداء الجنسى على الأطفال من العقاب.

 

تقول الأكاديمية الأمريكية للطب النفسى للأطفال والمراهقين (American Academy of Child & Adolescent Psychiatry) أن عدد حالات الاعتداء الجنسى على الأطفال لا تقل عن 90 ألف حالة سنويا، وتؤكد أن هذه النسبة لا تمثل الواقع الحقيقى لأن أغلب حالات التحرش والاعتداء لا يتم الإبلاغ عنها، كما يقدر عمر المعتدى عليهم بالنسب التالية:

 

• 67٪ منهم تحت سن 18 سنة

 

• 34٪ منهم تحت سن 12 سنة

 

• 14٪ منهم تحت سن 6 سنوات

 

عملية الاعتداء الجنسى على الأطفال تنطوى غالبا على الإكراه والعنف الشديد ويظهر تغير فى سلوك الطفل يمثل أولى علامات الاعتداء الجنسى. ويمكن أن يشمل هذه السلوك العصبى عدوانية تجاه من حوله ومن هم أكبر منه، وهناك علامات أخرى تظهر على الضحية مثل:

 

صعوبة فى المشى أو الجلوس وظهور نقاط دم  متقطعة فى ملابسه الداخلية كما يعانى من ألم بالمنطقة التناسلية وأحيانا عدم القدرة فى التحكم فى عملية التبرز مع وجود حكة واحمرار وتورم ووجود بعض الكدمات فى نفس المنطقة كما قد يرافق ذلك صعوبة فى تناول الطعام أو النوم والبكاء بلا سبب والصمت والميل إلى الانعزال والانسحاب من الأنشطة الجماعية وغيرها من الأعراض التى يجب أن يلاحظها الوالدان أو المشرفون على رعاية الطفل، التعامل مع الطفل الذى تظهر عليه هذه الأعراض يجب أن يكون بمنتهى الدقة حتى لا يفاقم من الحالة السيئة للطفل التى تجعله يحجم عن كشف من قام بالاعتداء عليه، يجب أخذ الطفل إلى مكان هادئ وتشجيعه بلطف ليعطى معلومات عما حدث له، ويكون ذلك من خلال أحد المقربين أو طبيب نفسى فى حالة صمت الطفل المستمر، ويجب الامتناع عن نهر الطفل أو عقابه لأن هذا يضاعف الإحساس بداخله بكراهية الجميع واتخاذ سلوك عدوانى ويمكن إجراء الفحص الموضعى على الطفل عبر الطبيب الشرعى الذى يستطيع تأكيد حدوث الاعتداء من عدمه وتاريخ حدوثه ومعلومات أخرى قد تفيد فى الكشف عن هوية المجرم.

 

العلاقة الطيبة للآباء والأمهات بأطفالهم تساعدهم فى حماية أبنائهم من هذه الاعتداءات كما أن اهتمام الوالدين بملاحظة سلوك أطفالهم باستمرار يجعل فرص نجاح العلاج أكثر حظا، أما عن الأطفال المقيمين بدور الرعاية الاجتماعية الحكومية والخاصة فلابد من بناء منظومة متكاملة يشارك فى وضعها المتخصصون من الأطباء ورجال الأمن والمتخصصين فى الطب النفسى والإداريين لحماية هؤلاء الأطفال من الاعتداء الجنسى ويجب الاستعانة بكاميرات مراقبة داخل هذه الدور تقوم بتسجيل الأحداث لزجر أى مجرم واكتشاف أى جريمة تحدث داخل هذه الدور ويمكن عمل كشف  طبى دورى على الأطفال لاكتشاف أى حالات اعتداء والتعامل معها مبكرا.

 

أما بالنسبة للقانون فيجب مراجعة التشريعات الخاصة بحماية الأطفال وتغليظ عقوبة الاعتداء الجنسى على الأطفال لتصل الى الاعدام لترهيب كل الساقطين أخلاقيا والمشوهين إنسانيا الذين يقدمون على هذه الممارسات تجاه الأطفال.

 

•••

 

تعاملنا  مع هذه المشكلة يجب أن يكون فى منتهى السرعة والجدية لإنقاذ المجتمع من مشاريع إجرامية ساخطة على الجميع تتمثل فى هؤلاء الضحايا الذين سيمارسون العنف وسيرتكبون نفس الجريمة التى وقعت عليهم إذا لم يتم تأهيلهم نفسيا واحتواؤهم ومعاقبة المجرمين.

 

أعلم أن هذه أحاديث بعيدة عن صخب السياسة وهمومها ولكن الكل صار يتكلم فى السياسة ــ ولا جديد بها  سوى احباط الناس وضيقهم ــ ويتغافل عن مشاكل المجتمع الحقيقية التى تهدد هذا الوطن، لذا آثرت أن أدق ناقوس الخطر فى قضية خطيرة مثلها مثل كثير من القضايا التى لا نهتم بها إلا بعد أن نكتوى بنارها ويصعب حلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved