عن لبنان المهدد فى وحدته فى قلب الصراعات العربية

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الثلاثاء 12 أبريل 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

يعيش لبنان هذه الأيام، حالة من الاضطراب ولادة القلق تكاد تهدده فى وحدته الوطنية، فى ظل تدهور الحياة السياسية بل ترديها، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التى تحاصر أهله وإن بقيت صورتهم فى الخارج توحى وكأنهم يعيشون حالة من الترف لا تفسير له فى واقعهم إلا عشقهم للحياة بدولة وبلا دولة، لا فرق بحكومة مشلولة عاجزة عن القرار ومجلس نيابى مقفل، وبفراغ فى الرئاسة مفتوح على المجهول. ربما لأنهم اعتادوا أن يكون لدولتهم حضور رمزى.

ومما يزيد من خطورة هذه الحالة انشغال «العرب» بهمومهم التى تجاوزت الصراع السياسى إلى الحرب، الحرب الأهلية فى بعض الحالات، والحرب على الأخوة فى حالات أخرى، فى ظل انقسام حاد تتجاوز خطورته السياسة إلى تهديد الوحدة الداخلية فى هذه الدولة أو تلك، أو تهديد «الدولة» بكيانها السياسى ووحدة شعبها. ولأن الوحدة الوطنية فى لبنان شرط حياة لدولته، فإن أى تهديد لها سينعكس فورا على كيانه الصغير الذى عاش دائما تحت رعاية دولية واحتضان عربى شامل.

وغالبا ما شكلت بيروت مرآة عاكسة لأوضاع المشرق العربى خصوصا ومعه بعض المغرب، سواء فى العلاقات البينية أو فى موقعها من حركة الصراع الدولى بالعنوان الروسى ـ الأمريكى، وضمنه الغرب الأوروبى، من دون أن ننسى التهديد المفتوح على الخطر المصيرى الذى يشكله العدو الإسرائيلى.

تاريخيا، كان يمكنك وأنت فى بيروت، وانطلاقا منها، أن تقرأ العلاقات العربية ـ العربية، من خلال ظلالها وانعكاساتها عبر مواقف الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية التى لكل نظام فيها نصيب، وعلى قاعدة الأقرب فالأبعد، الأقوى فالأغنى.

ومع أن الحرب فى سوريا وعليها قد أنهكت النظام فى سوريا فهو ما زال يملك ـ وإلى حد كبير ـ حق الفيتو، وما زال قادرا على التأثير، ربما أقل مما كان قبل سنوات، ولكن من الصعب تجاوزه أو تجاهله ومن الخطأ شطبه من أى حساب يتصل بلبنان، وان اختلف اللبنانيون حول هذا الدور، وتبدلت مواقفهم منه بحسب القرب والبعد عن مواقع التأثير عربيا.

ونتيجة للحرب فى سوريا وعليها فقد انقسم العرب كما لم ينقسموا فى تاريخهم الحديث: انقلب بعض حلفاء النظام إلى خصوم بل أعداء يمدون المعارضات المختلفة بالسلاح والمال والرعاية السياسية التى تمتد بتأثيرها إلى عواصم دولية بعيدة، فى حين نأت دول عربية أخرى عن هذا الصراع، وإن ظل بعضها فى موقع «الصديق» للنظام فى دمشق، وبعضها الآخر فى موقع «الخصم» مجاراة للسعودية خاصة ومعها مجلس التعاون الخليجى.

***

ولقد استطاعت السعودية، بتأثيرها المذهب، أن تستدرج بعض الدول العربية إلى تأييد حربها على اليمن، أو إلى عدم الاعتراض عليها، بذريعة صد التدخل الإيرانى فيها.

وهكذا تبدل موقف السعودية ومعها دول مجلس التعاون من لبنان وحكومته، فأعلنت «حربا» على «حزب الله»، من ضمن حربها على إيران التى تتهمها بمساندة «أنصار الله» والرئيس السابق على عبدالله صالح فى اليمن. مع أن هذا الحزب يشارك فى الحكومات فى لبنان منذ أحد عشر عاما بوزيرين، بلا اعتراض من أية دولة عربية، بمن فى ذلك السعودية ودول الخليج، التى كانت حتى الأمس القريب تتواصل مع هذا الحزب المؤثر فى الحياة السياسية اللبنانية، اعترافا بدوره المميز كبطل تحرير الأرض اللبنانية من رجس الاحتلال الإسرائيلى.

الذريعة الآن: دور الحزب فى مساندة النظام السورى الذى تقاتله السعودية وبعض دول الخليج بالواسطة، بعدما كانت المملكة شريكة سوريا فى رعاية لبنان منذ اتفاق الطائف، وحتى الأمس القريب. وشهيرة هى الزيارة التى قام بها الملك السعودى الراحل عبدالله بن عبدالعزيز لبيروت، مصطحبا معه الرئيس السورى بشار الأسد، عشية الانفجار فى سوريا، فى عام 2010.

وليس سرا أن هذا الموقف السعودى «والخليجى استطرادا» قد عطل دورا كان متوقعا لمصر فى السعى لرأب الصدع بين سوريا وبين هذا التكتل المذهب.

وقد أضافت الأزمة التى فجرت العلاقات السعودية الإيرانية، بعد مأساة الحجاج فى الحرم المكى، ثم بعد التظاهرات التى هاجمت السفارة السعودية فى طهران ومعها القنصلية العامة فى مشهد، أبعادا جديدة إلى موقف الرياض من الحكومة فى لبنان، ومن مشاركة «حزب الله» فيها.

من هنا فإن السعودية قد أوقفت تمويل صفقة من السلاح الفرنسى كان مفروضا أن تقدمه للبنان «ثلاثة مليارات دولار». بل إنها عمدت إلى تحويل هذا السلاح إلى جيشها، بعد تعديل فى أنواعه.

ثم إن السعودية قد انتبهت متأخرة، إلى أن لبنان يمتنع عن إدانة «حزب الله» الذى يشارك فى حكوماته منذ عشر سنوات على الأقل، ولا يقبل، بالتأكيد، توصيفه بـ «الإرهابى». وهكذا أصرت فى مؤتمر إسلامى انعقد فى الرياض، ثم فى اجتماع لوزراء الخارجية فى جامعة الدول العربية على دمغ هذا الحزب بالإرهاب، وهو الذى يحفظ له العرب عموما، واللبنانيون بشكل خاص إنه قاتل العدو الإسرائيلى لمدة تقارب العشرين عاما حتى تم تحرير الأرض اللبنانية، ثم عاد فواجه هذا العدو فى حرب يوليو 2006، وصد هجومه مجبرا القوات الإسرائيلية الغازية على وقف حربها ومن ثم الجلاء عن الأرض اللبنانية بالكامل وإعادة نشر قوات الطوارئ الدولية على طول الحدود.

وكان طبيعيا أن يثير هذا التحول فى موقف السعودية، ومعها دول مجلس التعاون، مخاوف اللبنانيين الذين يعملون نحو نصف مليون منهم فى دول شبه الجزيرة العربية، ويبذلون عرق جباههم فى عمرانها لكى يعيلوا أسرهم ويوفروا لها فرصة الأمان. وبرغم بيانات مقتضبة تطمئن نسبيا، القلقين على وجودهم فى المملكة وسائر أقطار الخليج، فقد اهتز وضع الحكومة المركبة على قاعدة التوافق، والتى «تسير» الأمور فى انتظار انتخاب رئيس للجمهورية يملأ مقعد رأس السلطة الشاغر منذ عامين.

ولعل اللبنانيين يعقدون الأمل على أن تلعب مصر دورا مهدئا للغضب السعودى، مستفيدة من زيارة الملك سلمان ومحادثاته مع قيادتها، خصوصا أن وفدا نيابيا لبنانيا تصادف وقوع زيارته مع وجود الملك فى القاهرة.

كذلك فإن اللبنانيين الذين يعيشون ـ عمليا ـ بلا دولة، يأملون ألا تمتد إلى وطنهم الصغير والجميل تداعيات الحروب العربية ـ العربية التى تشعل جنبات اليمن وتهدد وحدة العراق ووحدة سوريا، وتدمر دولة ليبيا ولابد أن تنعكس عليهم فتزيد من أسباب فرقتهم. خصوصا أن بعض هذه الحروب تتخذ أكثر فأكثر أبعادا مذهبية، مما يتسبب فى اهتزاز وحدة اللبنانيين ويقسمهم إلى ما يتجاوز السياسة، أى الانقسام الطائفى.

ومعروف أن لبنان يعيش استقرارا وازدهارا ويستطيع أن يلعب دوره فى خدمة القضايا العربية، طالما ساعد أهله العرب فى تمتين ركائز وحدته الوطنية. فإذا ما انقسموا سياسيا ارتج استقراره، أما إذا دخلت الطائفية والمذهبية ساحة الصراع بين الأنظمة العربية فإن ذلك يهدد لبنان فى وحدته الوطنية وهى الركيزة الأساسية فى وجوده.

***

إن لبنان يعيش فى قلب الخطر.

إن موقع الرئيس الأول فيه شاغر، وهذا يمس وحدته الوطنية التى ترتكز على التوافق، وعلى تقاسم مواقع السلطة فتكون الرئاسة الأولى لمسيحى «مارونى» ورئاسة مجلس النواب لمسلم «شيعى» ورئاسة الحكومة لمسلم «سنى»، وتتوزع مقاعد الحكومة حصصا طوائفية وفق قواعد أرساها اتفاق الطائف.

ويحب اللبنانيون أن يفترضوا أن إخوتهم العرب حريصون على وحدتهم الوطنية، باعتبارها شهادة أهلية للعرب جميعا، بأنهم قادرون على تحصين هذا الوطن الصغير، الذى يحكم بالتوافق الطوائفى، فإذا اختل التوافق أو ضربته الخلافات العربية التى تنعكس على توازناته الدقيقة، عاد شبح الحرب الأهلية يطل على هذا الوطن الصغير والجميل. محققا للعدو الإسرائيلى مكسبا تاريخيا عبر إثبات ان العرب لا يقبلون حقيقة تعددهم مذهبيا، وبالتالى يعجزون عن بناء دولهم بأبنائها جميعا، ومن دون تمييز على قاعدة الدين أو المذهب.

ويستطيع العرب، بالتأكيد، أن يساعدوا اللبنانيين على استعادة «دولتهم» التى بلا رأس الآن، وتحصين وحدتهم الوطنية المهددة بسبب الانقسامات التى تجد من يشجع على تفاقمها لأغراض سياسية آنية.

ومهما كانت الأسباب، فمن الجريمة التلاعب بمصير شعب عربى نتيجة خلافات بين أهله العرب لن يكون استمرارها وتفاقمها لخيرهم مجتمعين أو حتى متفرقين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved