هل بدأ أفول نجم المحكمة الجنائية الدولية فى أفريقيا؟

جيهان العلايلي
جيهان العلايلي

آخر تحديث: الأحد 12 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على بدء عمل المحكمة الجنائية الدولية التى أُنشئت بموجب معاهدة دولية لغرض محاكمة الاشخاص الذين يرتكبون «أشد الجرئم خطورة» هى ــ الإبادة الجماعية (المادة 6)، جرائم ضد الانسانية (المادة 7)، جرائم الحرب (المادة 8)  ــ لا يسع المراقب سوى أن يلحظ حالة الغضب العارم الذى يجتاح أفريقيا بسبب توجهات المحكمة.

 

 ويتساءل كثير من الأفارقة: لماذا لا تلاحق المحكمة سوى الأفارقة؟ المحكمة تقول إنها محايدة وأنها تعمل من أجل الضحايا، والضحايا فى الحالات المنظورة أفارقة. ويرد الأفارقة وهل «الجرائم الكبرى» والإفلات من العقاب مقتصر «علينا» فقط؟ وأين قضاء المحكمة إزاء الانتهاكات الجسيمة التى تحدث يوميا ضد المدنيين فى سوريا؟ هكذا يستمر الجدل بين انصار وخصوم المحكمة.

 

 فقد باشرت المحكمة منذ بدء عملها تحقيقات ضد ثمانية وعشرين شخصا فى ثمانى دول كلها فى أفريقيا وتشمل قائمة المطلوبين جنائيا رئيسين حاليين (السودان ــ كينيا).

 

 ومنذ أن أصدرت المحكمة أوامر اعتقال ضد الرئيس عمر البشير فى 10/2009 لاتهامه بارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية فى دارفور من 2003/2008 فقد ساءت العلاقة بشكل طردى مع الاتحاد الأفريقى. فالاتحاد قد طلب من اعضائه عدم التعاون مع المحكمة فى تنفيذ طلب إلقاء القبض على الرئيس البشير على اعتبار أن الرؤساء يتمتعون بحصانة (لا يعترف بها النظام الأساسى للمحكمة). ويرفض الاتحاد إلى الآن السماح بوجود مكتب للمحكمة فى أديس أبابا من أجل تنسيق الاعمال معه كمنظمة إقليمية.

 

ويوضح انصار المحكمة أن 4 من بين الـ8 حالات التى تنظرها المحكمة هى بطلب من حكومات هذه الدول (الكونجو ــ اوغندا ــ جمهورية أفريقيا الوسطى ــ مالى). وفى حالتين فقط جاءت الإحالة للمحكمة بقرارت من مجلس الأمن تحت الفصل السابع (دارفور 2008 ــ ليبيا 2011). بينما استخدم المدعى العام صلاحياته بموجب النظام الاساسى للمحكمة لبدء التحقيقات فيما وقع من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان فى حالتين (كينيا ــ ساحل العاج).

 

يذكر أن للمدعى العام أن يباشر بفتح التحقيقات فى الحالات التى يبدو أنها تتعلق بجرائم تدخل فى اختصاص المحكمة إذا:

 

1ــ أحالت دولة منضمة لاتفاقية المحكمة الحالة.

 

2ــ شرط انضمام الدولة يتيح للمدعى العام نفسه أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه.

 

3ــ إذا احال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الحالة.

 

4ــ إذا قبلت دوله غير طرف فى اتفاقية المحكمة بولاية المحكمة فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث.

 

●●●

 

ومن المواد المهمة والمثيرة للجدل فى النظام الاساسى للمحكمة المادتان (17و1) اللتان تعتبران قضاء المحكمة مُكمل للقضاء الوطنى وليس بديلا عنه، ولكن هناك شرطا اساسيا لاستمرار سيادة القضاء الوطنى وهو أن يكون قادرا وراغبا فى مباشرة التزاماته الدولية بإجراء محاكمات عادلة. وعلى خلفية هشاشة الانظمة وضعف حكم القانون فى بعض الدول الإفريقية تقوم المحكمة بما لها من ولاية كونية بإعمال قضائها اذا ترآى لها عدم جدية التحقيقات فى «الجرائم الخطرة» التى تدخل ضمن اختصاصها. هذا يُثير بعض الأفارقة الذين يطالبون المحكمة ببرامج لبناء القدرات القضائية بدلا من سحب البساط من تحتها.

 

●●●

 

وبصفة عامة يقول الأفارقة إن المحكمة اثبتت خلال عقد من الزمان أن عدالتها ليست كونية كما تتدعى بل هى عدالة سياسية وانتقائية تأتى بترتيب وبتوافق مع مصالح الدول الكبرى.

 

ويلاحظ أن الولايات المتحدة بعد أن كانت من ألَد خصوم المحكمة خاصة فى الفترة من 5/2001 من حكم الرئيس بوش اصبحت الآن من أشد انصارها، برغم أنها ليست منضمة للنظام الاساسى للمحكمة ولا تسمح بأن يكون لها بأيه حال ولاية قضائية على الأمريكيين. ولكن إدارة أوباما تبدى تعاونا ملحوظا على الصعيد الإفريقى. فقد صرح أحد مسئوليها بأن كل قرارات الاعتقال الصادرة عن المحكمة تحظى بالدعم الأمريكى. وقد رصدت وزارة الخارجية خمسة ملايين دولار لمن يدلى بمعلومات لضبط خمسة من كبار قادة التمرد الاوغندىين المطلوبين للمثول أمام المحكمة. وقامت السفارة الأمريكية فى كيجالى إثر تسليم المتمرد الرواندى بوسكو إيتاجاندا نفسه للسفارة بنقله إلى مقر المحكمة فى لاهاى.

 

ويتساءل المراقبون عن علاقة مجلس الأمن بالمحكمة ويقول البعض إن إحالة الملفين (دارفور 2008 وليبيا 2011) إلى المحكمة ربما اظهر هيمنة المؤسسة الاولى على الثانية مما يهدد شرعية المحكمة الجنائية باعتبارها مؤسسة قضائية مستقلة. فالصراع المسلح مازال مستمرا فى دارفور والرئيس البشيرالذى أُعيد انتخابه اثبت أنه لا يمكن شطبه كطرف رئيسى فى النزاع الدائر هناك.

 

كذلك الوضع فى ليبيا يزداد تعقيدا، خاصة مع رفض ميليشيات الزنتان تسليم سيف الاسلام القذافى للمثول وآخرين امام المحكمة الجنائية الموجودة فى لاهاى. فلماذا اذا توريط المحكمة فى ملفات يبدو انها لن تحل باللجوء إلى العدالة الجنائية الدولية؟

 

●●●

 

وهناك قناعة عند انصار العدالة الجنائية الدولية بأن متطلبات العدالة والسلام خلال النزاعات الأهلية ليسوا متنافرين. فيمكن السير بالتوازى على المسارين بحسب رأى المدعى العام للمحكمة الجنائية فاتو بن سودا.

 

 ولكن البروفيسور الأوغندى محمود ممدانى أحد أهم علماء الأنثروبولوجى فى أفريقيا يقول إن العدالة الجنائية بالمفهوم الغربى المبنى على نموذج محاكمات نورمبرج (عدالة المنتصر / العقاب والعزل للجناة) لا تصلح لأفريقيا. ويقول «لا يمكن تطبيق نموذج أن الغالب له كل الغنائم على النزاعات الأفريقية الكبرى ذات المجتمعات المنقسمة»، مضيفا أن «الحل لابد أن يكون سياسيا». ويرى انصار هذا التوجه أن اساس الحل السلمى فى جنوب أفريقيا وموزمبيق لم يكن المحاكمات بل قامت التسويات على العفو وعلى توسيع قاعدة المشاركة لتضم الخصوم فى عملية الانتقال السياسى السلمى.

 

ويقول بروفيسور ممدانى إن الأوضاع فى أوغندا وكينيا مرشحان للتأزم بسبب ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية.

 

 فالرئيس الكينى اهورو كينياتا ونائبه وليام روتو مطلوبان للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ما نُسب إليهما من ارتكاب جرائم ضد الانسانية فى احداث العنف الانتخابى عقب انتخابات 2007. والمربك فى هذه القضية أن الرئيس ونائبه كانا قد فازا فى ائتلاف موحد بالانتخابات الرئاسية التى جرت بشكل ديمقراطى فى بداية هذا العام وهو ما يضعهما فى موضع الخصم القوى أمام المحكمة.

 

هذه التطورات فى مجملها من شأنها زيادة مساحة الخلاف فى الرؤى بين كثير من الأفارقة والمحكمة.

 

وقد كان لافتا أن يخرج البيان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن فى الشهر الماضى بشأن منع النزاعات الأفريقية خاليا من أى إشارة للمحكمة الجنائية الدولية ودورها فى محاربة الإفلات من العقاب. وقد حدث ذلك بعد إصرار شديد من رواندا رئيس مجلس الأمن لشهر ابريل. وقالت وزيرة خارجيتها لويز موشيكيوابو «نحن لا نعتقد أن المحكمة بالطريقة التى تعمل بها اليوم تلعب دورا بناء فى منع النزاعات».

 

هذا تطور سلبى بنظر الكثيرين فى الغرب الذين يعتبرون المحكمة علامة بارزة فى تاريخ تطور الفقه الجنائى الدولى.

 

وعلى صعيد آخر، فقد أكد الاتحاد الأفريقى عزمه على دعم وتطوير برامج العدالة الانتقالية الأفريقية ويجرى حاليا البحث فى توسيع النظام الاساسى للمحكمة الإفريقية لحقوق الانسان والشعوب ليشمل الجرائم الدولية الكبرى.

 

 هذا القضاء الأفريقى القادم يراه البعض بمثابة الحل الأفريقى فى مواجهة المحكمة الجنائية الدولية.

 

 

 

صحفية مصرية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved