أحمد زويل.. الوداع الطويل

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 12 أغسطس 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

إعلان وفاة أحمد زويل سابق للأوان، أقول ذلك كشاهد على إعلان وفاته مرتين، الأولى لقبوله جائزة «معهد وولف» عام 1993، والثانية لحصيلة «البعثة العلمية الدبلوماسية» التى أرسلها أوباما عام 2010 إلى العالم العربى والإسلامى وشارك فيها زويل. وشهادتى مدونة فى مذكراتى «حكايات سندباد علمى» المنشورة عام 2000 فى مجلة «العربى»، وذكرت فى فصل منها، عنوانه «أحمد زويل.. سر الجزىء الذى يكون كل شىء»، كيف اتصلت بزويل أستفهم صحة الخبر عن قبوله جائزة «معهد وولف»، فسألنى عما إذا كان عليه قبولها، فقلت له فورا ومن دون تفكير: «اقبلها إذا كانت الثمن للحصول على نوبل». وخشيت لحظتها أننى أخطأت، فاتصلت بعالم مصرى من أصدقائه، وهو مصطفى السيد، عضو «أكاديمية العلوم الأمريكية»، فأخبرنى أنه بدوره قال عندما سأله زويل رأيه: «خد فلوسهم يا أحمد، خد فلوسهم»!

وفى مقالتى «زويل بين العلم والدبلوماسية»، المنشورة عام 2010، ذكرت أن «البعثة الدبلوماسية فى العلوم» أدخلت الدبلوماسية فى العلوم بدل أن تدخل العلوم فى الدبلوماسية. وما جدوى الدبلوماسية فى التعامل مع أجيال جديدة من عرب ومسلمين يعرفون أن نسبة حاملى شهادات الدكتوراه من العلماء والمهندسين العاملين فى الولايات المتحدة من المولودين خارجها ارتفعت من 24٪ عام 1980 إلى 37٪ عام 2000. وتبلغ بينهم نسبة حاملى شهادات الدكتوراه فى الفيزياء 45٪ والمهندسين أكثر من 50٪. وربع المهندسين فى الهيئات التدريسية للجامعات الأمريكية مولودون فى الخارج، وكثير منهم عرب. وبين عامى 1990 و2004 تجاوزت الثلث نسبة الحاصلين على جوائز نوبل فى الولايات المتحدة من المولودين خارجها.

***

ووداع زويل طويل، ذلك لأنه لا ينتهى عند قياس سرعة التفاعل الكيماوى لأول مرة فى تاريخ العلم، والذى نال عنه «نوبل» فى الكيمياء، بل يبدأ به. ومثل «جاليليو» الذى وجه «التلسكوب» لاستكشاف السماء، استخدم زويل «ليزر الفيمتو» لقياس «كل ما يتحرك فى عالم الجزيئات، التى يتكون منها كل شىء فى الكون»، حسب شهادة «بينجت نوردن»، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، والمذكورة على غلاف كتاب سيرة زويل الذاتية «رحلة عبر الزمن». وزويل ذهب فى رحلته عبر الزمن إلى ما وراء العالم الذى رصده جاليليو حين استكشف عوالم جديدة يمكن اعتبارها «الحلقة المفقودة» بين الفيزياء والبيولوجيا، «فالأمر ينتهى بجميع الأنظمة الجزيئية والبيولوجية إلى امتلاك سرعات الذرات التى تتحرك داخلها، وتتحدد أكثر السرعات الممكنة باهتزازات جزيئاتها، وتبلغ هذه السرعة نحو ثلاثة كيلومترات فى الثانية»، حسب زويل فى «مؤتمر البيولوجيا الفيزيائية.. من الذرات إلى الخلايا».

ويثير الأسى تعرض زويل بعد وفاته لهجوم شارك فيه أكاديميون عرب أخذوا عليه ما يعتبرونه الولاء للنظام المصرى. ولو أنهم تابعوا مقالاته فى صحف عالمية لعلموا أنه الولاء لبلده الذى يصرح به علنا: «غادرت مصر عام 1969 للدراسة العليا فى جامعة بنسلفانيا، وكنت خلال 37 عاما عضو الهيئة التدريسية فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وأنا أحمل الجنسية المزدوجة منذ 31 عاما، لكن التزامى ببلد مولدى لم يتزعزع قط».

***

والمفارقة أن زويل كمعظم أفراد النخبة العربية المغتربة أكثر ولاء لوطنه الأصلى من المقيمين فيه، وتبلغ حكمته حد الحديث عن خطأ الاعتقاد بأن النظام السورى سينهار مع الزمن تحت الحمل الثقيل لفظائعه. «تجربة ماضى هذه الأنظمة تدل على أن هذا السيناريو لن يتحقق». ويدرك زويل المتزوج من الطبيبة السورية «ديما الفحام»، أم ابنيه نبيل وهانى، أن «سوريا قد تبدو صغيرة الحجم، لكن نزاعات متشابكة كهذه يمكن أن تقود إلى كوارث. ولا حاجة إلى الكثير من الخيال لرؤية سوريا تقود ــ مثل سراييفو ــ القرن الـ21 إلى حرب عالمية».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved