مصورة.. آثمة

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: السبت 12 سبتمبر 2015 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة

لا أحب العنف، بل أكره أى نوع أو أى درجة من الإيذاء البدنى.. لكن رأيتنى بعينى خيالى أوجه صفعة شديدة لها دوى مسموع جعل المرأة المقصودة تترنح فاقدة التوازن ألحقتها بشلوت بالغ القوة دفع ضحيتى للوقوع على وجهها.. لم أكتف بهذا بل هرولت سريعا نحو الكاميرا التى سقطت أمامها وأخدت أحطمها بقدمى مطلقا شتائم نابية تمس شرف المطروحة أرضا.

كان لابد أن أسترسل فى حلم اليقظة هذا تخفيفا لثقل الحجر الجاثم على صدرى عقب مشاهدتى لعدة شرائط وثائقية بالصوت والصورة، تبين بوضوح مدى السفالة التى إرتكبتها، بلا ضمير هذه المجرمة.
اسمها بترا لانزو بيضاء بوجه حلو التقاطيع بلا مكياج شعرها الأصفر القصير يضفى عليها قدرا غير قليل من الجدية ترتدى بنطال جينز عملى وقميص تحته فانلة بلون سماوى موحد فضلا عن حذاء كوتشى أبيض.. جسمها فارع الطول نحيل كلاعبات كرة السلة أو الجمباز مظهرها المتحضر لا يعبر أبدا عن جوهرها الهمجى.

فى أرض واسعة تمتد إلى آخر الافق حيث تلتقى السماء باليابسة تقف مجموعة من أهالينا السوريين اللاجئين يتحفزون لاختراق حاجز بشرى من جنود الحدود المجرية.. بعد لحظة مع اختلاط أصوات احتجاجات واستغاثات وتهديدات يندفع عدة اشخاص من اليمين ثم من اليسار.. سريعا يأتى الاجتياح البشرى كالطوفان مكتسحا حصار الجنود الذين يحاولون عبثا الامساك بالمقتحمين وهم يحملون زكائب وأكياس مقتنياتهم.

من بين عدة مصورين تظهر «بترا لانزو» وقد وضعت كمامة على فمها تضم قبضة يدها اليسرى، بعزيمة ممسكة آلة التصوير بيدها اليمنى كالنمر الشرس متحفزة لا تكتفى برصد ما يدور أمامها بل تندفع بلا تردد بين اللاجئين لا لتصورهم لكن لتضربهم نعم هاهى ترفع قدمها لتضرب أحد الصبية فى خصيتيه وتحاول الامساك بتلابيب عجوز.

تبعثر الجنود بين اللاجئين الأكثر عددا والأقوى إرادة والأشد استمساكا بالحياة خاصة أنهم فيما يبدو وجدوا فى مغامرة اقتحام الحدود المحفوفة بالمخاطر هى طوق النجاة الوحيد من موت محقق بين مطرقة داعش الوحشية وسندان سلطة لا تعرف الرحمة.

من بين اللقطات الأعمق إيلاما المفعمة بالمعانى تلك المتعلقة بذلك الكهل الذى يحمل بذراعه ابنه الصغير ويرفع بيده الثانية كيس ملابس.. يجرى داخل الحدود.. جندى يحاول الامساك به يكاد يقبض على كتف جاكتته البنية لكن اللاجئ يفلت منه يندفع للأمام بكل قوته لا يرى شيئا أمامه لا ينتبه للمصورة اللئيمة التى مدت ساقها أمامه «لتشنكله» فى حركة غدر خسيسة الطفل يسقط أرضا ولأن والده يتحاشى الوقوع فوقه حول الابتعاد بجسمه عنه مما أدى إلى ارتطام رأس الأب بالأرض جاءت الشرطة لتقبض على الرجل بينما ثلاثة من العساكر يمسكون بالطفل المذعور الذى ينخرط فى بكاء مر.

بعيدا عن شعور المهانة الذى يليق بنا نحن العرب يبقى ما تثيره المصورة المنحطة التى لم يتسلل لقلبها شعاع رحمة تجاه الطفل المرعوب الأمر الذى يثير فى النفس شحنة من الحنق، لا يبدده طردها من القناة التى تعمل بها.. لذا وجب إنزال أشد عقوبة عليها ولو بأوهام الخيال.. وهذا ما قمت به.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved