تحدى التنافسية العالمية ورؤية مصر 2030

هيثم ممدوح عوض
هيثم ممدوح عوض

آخر تحديث: الثلاثاء 12 سبتمبر 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

تصطدم خطط الدولة الاستثمارية وسعيها لتشجيع الاستثمار الأجنبى على أرض مصرنا الحبيبة بمشكلة مستعصية تتمثل فى ترتيب مصر المتدنى بين دول العالم فى تقرير التنافسية العالمية الذى يصدر عن المنتدى الاقتصادى العالمى ومقره بسويسرا وأيضا التقارير الدولية الرئيسية الأخرى الذائعة الصيت مثل تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذى يصدر عن إحدى مؤسسات البنك الدولى، التقرير السنوى الذى يصدر عن صندوق النقد الدولى، والتقارير السنوية الأخرى التى تصدر عن منظمات اليونسكو، الصحة العالمية، الاتحاد الدولى للاتصالات، الشفافية الدولية، وغيرها من التقارير الدولية الأخرى التى تحمل بيانات وإحصائيات عن جميع دول العالم وتشمل ترتيب لهذه الدول وفقا لمؤشرات قياس محددة ومعروفة.
وقد ذاع صيت هذه التقارير وأهمها تقرير التنافسية العالمية الذى يعد مرجعا أساسيا لإعداد مجموعة ضخمة من التقارير الدولية التى تختص بترتيب دول العالم، وأصبحت هذه التقارير مرجعية أولى للمكاتب الاستشارية التى تقوم بإعداد دراسات الجدوى وما قبل الجدوى للمشاريع الاستثمارية وتقدير تكلفة مخاطر الاستثمار لأى مستثمر يرغب فى أن يقيم مشروعه بمصر. وبالطبع فإن ترتيب مصر الحالى كفيل بأن يصبح أداة طرد وعدم جذب للاستثمار الأجنبى. والموضوع هنا له شقان أساسيان أولهما وهو الشق الذى يتعلق بوجود مشاكل فعلية يجب على الحكومة أن تواجهها بخطط طموح محددة الأهداف وقابلة للقياس ويتمثل ذلك فى استراتيجية التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030 التى أعلن عنها مؤخرا، وهذا الشق لن أتعرض له فى هذا المقال حيث سأقوم بالتركيز على الشق الثانى والمتعلق بمعرفة قواعد وأصول تقييم مصر فى أحد أهم هذه التقارير وهو تقرير التنافسية العالمية والذى يعتد ببياناته وأرقامه عند أعداد مجموعة من التقارير الدولية السنوية الأخرى، والأخطاء الفادحة القائمة والمعروفة والتى يمكن معالجتها بسهولة بحزمة من الإجراءات السريعة سوف يكون لها مردود ملموس فى تحسين ترتيب مصر فى التقارير الدولية بصفة عامة وتقرير التنافسية العالمية بصفة خاصة.
تقرير التنافسية العالمية الصادر لهذا العام وضع مصر فى المرتبة الـ 115 ضمن 138 دولة متقدمة بمركز واحد فقط عن تقرير 2016 الذى احتلت فيه المركز الـ 116 بينما كان ترتيب مصر الـ 119 فى تقرير 2015. ولا يعد هذا تحسنا ملموسا ولكن يصنف على أن مركز مصر يعد تقريبا ثابتا.
***
تقرير التنافسية العالمية يصنف الدول بناء على عدد 114 مؤشرا موزعا على 12 محورا، ويتم تقييم الدولة بدرجة نهائية حدها الأقصى 7 درجات والأدنى درجة واحدة، وطريقة حساب الدرجة النهائية لأى دولة يخضع لأسلوب حسابى معروف ومحدد بدقة عن طريق تجميع 143 قيمة أو رقم مصدر 80 منها استطلاعات الرأى يقوم بها رؤساء مجالس إدارات الشركات العاملة فى الدولة ورواد الأعمال بها بقطاعات محددة ويتم اختيارهم وفقا لتصميم إحصائى مرجعى يراعى جودة هذه العينة وتمثيلها للدولة تمثيلا دقيقا، وفقا لمعايير علمية معروفة، والـ 63 قيمة الأخرى تكون من البيانات التى تتيحها الحكومة للهيئات الدولية، ويختلف وزن هذه الأرقام على حسب اقتصاد الدولة، حيث قسم تقرير التنافسية العالمية دول العالم إلى ثلاث مجموعات لكل مجموعة طريقة محددة لحساب الدرجة النهائية للدولة. فدرجة مصر الإجمالية كانت 3.67 فى 2017 بزيادة 0.01 عن 2016 حيث كانت درجتها النهائية 3.66 وقد زادت هذه القيمة 0.06 درجة عن عام 2015 حيث حصلت مصر على 3.60 درجة. وللمقارنة يجب أن أنوه أن سويسرا التى تحتل المركز الأول حصلت فى عام 2017 على 5.81 درجة بينما الدولة التى احتلت المركز الأخير حصلت على 2.74 درجة.
المشكلة الرئيسية التى تواجه مصر هى أن الهيئات والوزارات الحكومية المصرية لا تتيح البيانات المطلوبة بسهولة وهذا أمر يستطيع أى عامل بالبحث العلمى فى مصر أن يلمسه بوضوح. فأى بيان أو إحصائية حكومية يحظر نشرها ويحظر إتاحتها للعامة أو حتى للمتخصصين إلا بعد المرور بإجراءات طويلة وروتينية ومعقدة لقناعة أغلب المسئولين أنها تندرج تحت تصنيف الأمن القومى، أو إن طالبوا الإحصائيات سوف يستفيدون منها ماديا عن طريق إدراج هذه المعلومات بتقارير مدفوعة الأجر والنتيجة أن معدى التقارير الدوليين يعتمدون على نتائج استطلاعات الرأى مجهولة المصدر والهوى فى حالة غياب البيانات الرسمية، ويتضح ذلك جليا فى تصنيف المحور الخامس فى تقرير التنافسية العالمية الخاص بالتعليم العالى والتدريب، حيث احتلت مصر المركز الـ 112 بناء على حسابات 8 مؤشرات أداء، قامت الحكومة المصرية بإعطاء قيم مؤشرين فقط فكان ترتيب مصر فيهم الـ81 و الـ85 عالميا بينما المؤشرات الستة الباقية نتيجة لعدم إتاحة البيانات كان ترتيب مصر بها الـ 130، 133، 135، 136، 137، و138، وبعد حساب المؤشرات الثمانية حصلت مصر على المركز الـ 112 على مستوى العالم. يتكرر هذا الأمر فى عدد 32 مؤشر أداء من الـ 114 مؤشرا حيث احتلت مصر المركز الـ 120 أو أدنى منه لسبب رئيسى هو إصرار المسئولين المصريين على عدم إتاحة هذه البيانات للهيئات الدولية للأسباب سالفة الذكر ولعدم وجود قوانين وقواعد منظمة لتبادل المعلومات وإتاحتها فى مصر، وبالتالى تضطر هذه الهيئات الدولية إلى الاعتماد على مصادر أخرى والنتيجة يكون تصنيف مصر فى مركز متدن بهذه المحاور بخلاف الواقع والحقيقة. 
أؤكد فى هذا الإطار أن النتيجة النهائية سيئة بخلاف الواقع لعدم قيام الحكومة المصرية بصياغة تقارير محددة الأهداف تشير إلى مجالات التنافسية المختلفة ومجهودات الدولة فى مجالات التنافسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر تصنف مصر فى قدراتها على الإبداع العلمى والتقنى فى المركز الـ 135 عالميا متفوقة على ثلاث دول فقط والواقع أفضل من ذلك بكثير ولكن النتيجة سيئة لهذا السبب المتمثل أساسا فى عدم توفير بيانات أو إنجازات فى مجال محدد بدقة.
***
المشكلة الثانية التى تواجه تصنيف مصر المتدنى فى تقرير التنافسية العالمية هى أن المسئول مسئولية كاملة عن عمل استبيان أو استطلاع الرأى فى مصر هى جمعية أهلية مصرية يتحكم فى مجلس إدارتها مجموعة من الأفراد ولا يوجد دور لأى هيئة حكومية أو جامعة أكاديمية أخرى فى مصر ولو حتى ثانوى، وبالنظر إلى إحصائيات من يقومون بهذا العمل المشابهة فى الدول التى شملها التقرير نجد أنه توجد 14 دولة فقط تنفرد الجمعيات الأهلية بهذا الأمر من بينها مصر بنسبة 10% ومتوسط ترتيب هذه الدول متدنٍ إلى حد كبير؛ حيث تبلغ قيمته الـ 91، بينما تعهد الـ124 دولة الأخرى إلى انتهاج أحد ثلاثة أساليب أكثرهم شيوعا هو أن تكلف إحدى الجامعات المتخصصة فى دراسات استطلاعات الرأى سواء حكومية أو خاصة بهذا الأمر حيث يتبع هذا الأسلوب 75 دولة بنسبة 54% من الدول التى شملها التقرير ومن أمثلة هذه الدول سويسرا التى جاءت على رأس قائمة الترتيب؛ حيث تعتبر جامعة سانت جالين العريقة هى المسئولة عن هذا الأمر. أما ثانى الأساليب الأكثر شيوعا هو تكليف أحد الأجهزة الحكومية المتخصصة التى لديها القدرة على تجميع البيانات وتنظيم استطلاعات الرأى وفقا للقواعد الأكاديمية المتبعة فى هذا الشأن، وتوجد 33 دولة تتبع هذا الأسلوب بنسبة 24% أبرزها سنغافورة التى تحتل المركز الثانى حيث يكلف بالإشراف وتنظيم هذا الاستبيان مجلس التنمية الاقتصادى بسنغافورة. أما الأسلوب الثالث والأخير وتتبعه 16 دولة بنسبة 12% حيث تكلف هذه الدول مكتبا استشاريا متخصصا أو غرفتها التجارية بهذا الأمر، ويظهر هذا الأسلوب فى دولتين فقط من قائمة العشرين دولة الأولى على الترتيب وهى هونج كونج (المركز التاسع) ولوكسمبورج (المركز الـ 20) حيث يعهد بالغرف التجارية بهاتين الدولتين إدارة استطلاع واستبيان الرأى لما له من تأثير مباشر على تصنيف الدولة وبالتالى فرص الاستثمار بها.
وفى هذا الإطار أؤكد على أن النموذج المصرى لا يوجد مثيل له فى الدول التى احتلت المراكز العشرين الأولى من ناحية احتكار جمعية أهلية لأمر تنظيم استطلاع الرأى وظهر دور الجمعيات الأهلية فى دولتين فقط من هذه الدول الـ 20 الأولى كدور مساعد لجامعة متخصصة مثل حالة اليابان (المركز التاسع) أو دور مساعد لهيئة حكومية مثل حالة قطر (المركز الـ 18). وفى هذا الإطار يجب أن أشير إلى تجارب ثلاث دول محيطة بمصر. فدولة الأمارات العربية المتحدة (المركز الـ 16) تكلف ثلاث هيئات حكومية مع جامعة زايد بإدارة هذا الموضوع بينما فى المملكة العربية السعودية (المركز الـ 29) فالمسئول عن إعداد هذا الاستبيان جامعة الفيصل مع الهيئة الاتحادية السعودية للتنافسية والإحصاء، أما فى المملكة الأردنية الهاشمية (المركز الـ 63) فوزارة التخطيط والتعاون الدولى الأردنية هى المنوط بها هذا الأمر.
المشكلة الثالثة الرئيسية هى فى مجموعة الأفراد الذين يقومون باستيفاء استطلاعات الرأى التى تتحكم بدرجة رئيسية فى درجة مصر، وبالتالى ترتيبها وتصنيفها العالمي؛ فيشير تقرير التنافسية العالمية إلى أنه يوجد لمصر عدد 49 استبيانا لعام 2015 مقابل 100 استبيان لعام 2014 و60 استبيانا لعام 2013 ولم يرد أى استبيان لعام 2016. وبالطبع فإن محرر أى استبيان عليه الإجابة على مجموعة ضخمة من الأسئلة قد لا يكون أغلبها فى مجال تخصصه أو عمله وقد تنقصه البيانات اللازمة لتحرير هذا الاستبيان بدقة أو قد يكون لديه مخاوف من أن تنقص حصته بالسوق المصرية فى حال تصاعد تصنيف مصر. والحقيقة لا توجد معايير محددة معلنة لاختيار القائمين على تحرير هذا الاستبيان، والأحرى أن يتم اختيارهم وفقا لمعايير محددة يشارك فى وضعها الغرفة التجارية المصرية وإحدى الهيئات الأكاديمية المصرية.
***
فى 31 مارس 2016 صدر قرار السيد رئيس مجلس الوزراء رقم 486 بتشكيل لجنة وزارية تضم عشر وزارات وهيئات حكومية برئاسة وزير الاستثمار، وأن تختص هذه اللجنة فى العمل على تحسين ترتيب مصر بتقرير أنشطة الأعمال فقط حيث تحتل مصر المركز الـ 122 حاليا بتحسن تسع مراكز عن العام الماضى. يؤخذ على هذا القرار بأنه يجب أن يشمل التقارير الدولية الأخرى مثل تقرير التنافسية العالمية الذى ركز عليه هذا المقال لأنه يشمل جميع مجالات التنمية المختلفة ويعتبر أعم وأشمل من تقرير أنشطة الأعمال، بالإضافة إلى أن تشكيل اللجنة يجب أن يضم فى عضويته الغرفة التجارية المصرية وممثلين عن الجامعات والجمعيات المصرية وأن توصى هذه اللجنة بحلول عاجلة نحو الثلاث مشكلات الرئيسية التى تم عرضها فى هذا المقال والمتعلقة بإصدار تشريع لإتاحة وتداول البيانات، المسئول عن تنظيم استطلاعات الرأى، ومعايير اختيار من يقومون بأداء استطلاعات الرأى. 
ويمكن فى هذا الإطار أن يكون مبدأ التنافسية شعارا ترفعه الحكومة المصرية لأنه أصبح فى العقد الأخير تحديا دوليا أعلن عدد كبير من قادة العالم اعتباره أولوية أولى وتحديا قوميا يجب علينا قبوله والسعى لتحسين مؤشرات أدائنا فى محاوره المختلفة بالعمل الجاد حتى تتحقق رؤية مصر 2030، وهى أن تكون مصر من أفضل 30 دولة فى مؤشر التنافسية العالمية وأن تكون مصر ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، قائم على العدالة والاندماج الاجتماعى والمشاركة ذات نظام أيكولوجى متزن ومتنوع تستثمر عبقرية المكان والإنسان لتحقق التنمية المستدامة ولنرتقى بجودة حياة المصريين.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved