من استوكهولم إلى إدلب

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الأربعاء 12 سبتمبر 2018 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع جريدة الحياة مقالا للكاتب حازم صاغية يتناول فيه تطورات الأوضاع الأخيرة فى السويد وجاء فيه:
السويد أيضا أصبحت بلدا مقلقا. «ديمقراطيّو السويد القوميّون»، المتفرّعون عن النيو ــ نازيّين، أحرزوا قرابة خُمس الأصوات فى الانتخابات العامّة قبل يومين. فى الانتخابات السابقة، كانوا أقلّ من 13 فى المائة. رفاقهم وجيرانهم فى «حزب الشعب الدنماركيّ» يستحوذون على ما يُقدّر بين ربع المقترعين وخُمسهم. اسكندينافيا أيضا ليست على ما يرام.
السويد، على رغم اتّساع الفجوة الاجتماعيّة بين طبقاتها فى العقدين الأخيرين، لا تزال أحسن حالا من معظم بلدان أوروبا، بفضل الإنجازات التى قدّمها الاشتراكيّون الديمقراطيّون. متوسّط الدخل مرتفع والبطالة منخفضة، ومثلها الجريمة. مع هذا فـ «ديمقراطيو السويد القوميون» يحاولون أن ينسبوا إلى اللاجئين والمهاجرين كلّ ضربة كفّ تحصل. ذاك أنّ السويد استقبلت منهم النسبة الأوروبيّة الأعلى قياسا بعدد السكّان: 160 ألفا فى 2015 وفقا للرقم الذى بات شائعا. هذا بدل أن يكون شهادة لها بات شهادة عليها. فاللاجئون هؤلاء هم الخطر على السويد! لكنْ، إذا جاز للسويديّين أن يحتاطوا، فعليهم بجارهم الأكبر والأقوى، السيّد فلاديمير بوتين، لا بعشرات آلاف اللاجئين الضعفاء والمستضعفين.
على أن القلق الآتى من أقصى شمال القارة الأوروبية بات يجد ما يكمّله فى سائر القارة: إيطاليا فى الجنوب. النمسا فى الوسط. بولندا وهنغاريا فى الشرق. هذا التحالف المتين مدعوم بواشنطن ترامب وبموسكو بوتين. لكنّه مدعوم أيضا، وأساسا، بالكوارث الإنسانيّة وأهمّها فى زمننا ظاهرة اللجوء. فى الأخبار التى نقرأ، يتلاحق خبران لا يحول البعد الجغرافيّ دون تلاصقهما: واحد يقول إنّ الشعبويين يتقدّمون فى أوروبا، وهم يرفعون سكاكينهم فى وجوه اللاجئين، وفى وجه أوروبا نفسها، وآخر يحضّرنا لمذبحة فى إدلب السوريّة، مذبحةٍ يصحبها انفجار جديد فى اللجوء إلى الشمال ومنه إلى الغرب.
قلاع الديمقراطيّة الليبراليّة، فى المقابل، مهدّدة كلّها بالتصدّع: أنجيلا ميركل تُدفع يوميّا إلى مواقع أضعف. إيمانويل ماكرون، بمعونة خفّته وغطرسته معا، تتراجع قوّته فى الرأى العامّ بإيقاع متسارع. فى بريطانيا التى خرجت أصلا من الاتّحاد الأوروبيّ، يتهيّأ شعبويا اليمين واليسار، بوريس جونسون وجيريمى كوربن، للحلول محلّ تيريزا ماى التى تبدو شخصا ضائعا فى غابة نائية.
الثورات الشعبويّة والقوميّة الكاسحة تنذر بأخطار كثيرة على شعوبها وعلى العالم. لكنّ أحد أكبر تلك الأخطار إضعاف النموذج الديمقراطيّ الليبراليّ وربّما إلغاؤه. جاذبيّة ذاك النموذج لم تعد تجذب. إلى ذلك، فالسياسي الذى يسيّر ذاك النموذج أضعف الثقة بالسياسة والسياسي. يكفى أن نستعيد شخص دونالد ترامب وأفعاله، لا سيما بعد ما كتبه بوب ودورد و«مقاومة» البيت الأبيض الذى تحوّل قاعة للأفلام الهزليّة أو البورنوغرافيّة.
نعم، هناك تقدّم هائل يحصل فى الطبّ والعلوم. هناك حساسية بالغة الرهافة فى المدن الكوزموبوليتيّة حيال كلّ تمييز، إثنيّا كان أو دينيّا أو جنسيّا. لكنّ السياسة تتكرّس كشيء آخر تماما، شيءٍ لا يتأثّر إلا بالهجرة واللجوء، أو لا يستعيد مكبوته اللعين إلا بذريعتهما. فالثورة، التى تطيح السياسة والسياسي، هى التى كبتها التنوير والتقدم والديمقراطيّة وارتفاع الحساسية الإنسانية بما يليق بكلمة «إنساني». وكم يبدو هذا الانتكاس فظيعا فيما العالم يمضى فى «ترقب» مذبحة تحدث فى إدلب، مذبحةٍ لا يملك فى مواجهتها إلا سلاح الترقب.

الحياة ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved