تعامل شباب الأمة مع الشبكة العنكبوتية

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 12 سبتمبر 2018 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

يحتاج جيل شباب وشابات الأمة العربية أن يضع جهدا مكثفا ومستمرا لفهم وسيلة الشبكة العنكبوتية التى يستعملها يوميا بانغماس ونهم وتعلق، فهم كل جوانب تكوينها: من أهداف واضحة وخفية، من مقدار صحة المعلومات والإحصائيات التى تنشرها، من مقدار الكذب الذى يخترقها، ومن تغير طبيعة المؤسسات التى تشرف عليها.
وتكمن أهمية هذا الموضوع فى الدور الكبير الذى لعبه الاستعمال المكثف لتلك الشبكات فى تفجير وتنظيم حراكات وثورات الربيع العربى من جهة، وفى الأدوار المتنامية المعقدة التى ينتظر أن تقوم بها تلك الوسائل فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل المجتمعات البشرية.
دعنا نمعن النظر فى التغير الهائل فى طبيعة القوى التى تهيمن على الشبكة. ففى بداية هذه الثورة التواصلية الإلكترونية كانت المؤسسات التى تؤسس أنواع الشبكات، وبالتالى أنواع التواصل، شركات صغيرة ومحددة الوزن فى الحياة الاقتصادية والمالية الدولية.
كانت قيمة تلك الشركات تحسب بالملايين من الدولارات، وكان الهدف الأساسى من تكوينها هو فى إتاحة المعلومات لكل البشر، وبالتالى فى تفاهم المجتمعات وتلاقح الثقافات. ولكن، وبمرور الوقت، ومن خلال إنقلاب تلك الشبكات إلى أكبر وأنجح وسيلة للإعلان، تضاعفت قيمة الشركات وأصبحت تحسب بمئات المليارات، وقريبا جدا ستحسب بالتريليونات.
نحن إذن أمام انقلاب فى طبيعة الشركات من شركات خدمية، ترمى لتسهيل نشر وتبادل المعلومات بين الناس، لتصبح شركات رأسمالية كبرى، تزيد من رأسمالها وأرباحها السنوية عن كل الشركات الدولية العملاقة، من مثل شركات البترول وصناعة السيارات، بل وهى تبز هذه الشركات فى قدرتها على التهام كل فرد أو نشاط جديد فى حقل تخصصها، لتصبح بالفعل شركات احتكارية قادرة على التحكم فى أسعار الخدمات التى تقدمها، وفى التلاعب بالأسواق، وفى ابتزاز العملاء. ما عاد الهدف هو خدميا لمساعدة البشر، إذ أصبح منغمسا فى صراعات التنافس الرأسمالى العولمى المتوحش.
***
وبالطبع لن يقف الأمر عند حدود الاقتصاد، إذ بدأ بالفعل فى دخول ساحة السياسة. هنا ستبدأ شركات الشبكات العنكبوتية لتشترى أو تضغط على أعضاء البرلمانات والحكومات والأحزاب لتنفيذ ما يناسبها ويزيد من أرباحها.
وبالفعل فقد بدأت تنشر كتب فى الغرب تتحدث عن التأثيرات السلبية لبعض نشاطات تلك الشركات على الحياة الديمقراطية فى أمريكا وإنجلترا وباقى دول أوروبا. وهناك كتابات كثيرة عن الأدوار التى لعبتها شبكات من مثل فيسبوك وتويتر، على سبيل المثال، فى انتخاب الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية.
ومثلما هى تستعمل الآخرين، فإن الآخرين هم أيضا سيستعملونها لتحسين مصالحهم وتعظيم نفوذهم، فى حلقة من تبادل المنافع الانتهازية. إنها اللعبة الرأسمالية بكل تفاصيلها وتعقيداتها وفضائحها، تطل علينا من جديد فى ساحة التواصل الإلكترونى الجديدة.
ما يهم شباب أمة العرب هو أن يعرفوا بأن تلك التغيرات ستساهم فى جعل قسم كبير من الاستنتاجات الإحصائية التى تنشر عن طريق الشبكات مليئة بالأخطاء والقراءات التضليلية، وفى جعل قسم كبير من الأخبار والمعلومات هى عبارة عن نصف حقائق تختلط مع أنصاف أكاذيب. ومع الوقت، ومع تزايد اشتباك وسائل التواصل وتعاظم مصالحها الانتهازية، ستزداد وسائل شيطنة الإحصائيات والأخبار والمعلومات التى تقدم.
لنذكر بأن الانتقائية، لأسباب مصلحية أو أيديولوجية، قد بدأت تمارس فى حقول من مثل الادعاءات الصهيونية الكاذبة أو التستر الاستخباراتى وراء مواضيع حقوق الإنسان أو الأقنعة الكاذبة التى تلبسها بعض الحكومات الإمبريالية فى إلصاق التهم بهذا النظام العربى أو ذاك من مثل امتلاك أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة الكيميائية.
***
ما الذى نستطيع فعله لمواجهة الأمر؟ الجواب هو، أولا، بعدم الاعتماد الكلى والوحيد على شبكات التواصل العنكبوتى الاجتماعى، بل التفتيش عن مصادر أخرى، كالكتب أو المجلات العلمية المتخصصة المستقلة أو الخبراء المشهود لهم بالنزاهة والاستقلالية على سبيل المثال. ولذلك فان الإشارة إلى إحصائيات أو معلومات أو أخبار أو تعليقات على شبكات التواصل، دون الإشارة إلى مصادر موثوقة ومراجعة من قبل محكمين اختصاصيين نزيهين، يجب عدم الالتفات إليها أو على الأقل اتخاذ خطوات التحقق منها.
والجواب، ثانيا، هو معرفة طبائع المؤسسات الرأسمالية الربحية والحذر من جوانبها السلبية الكثيرة. ولأن شركات الشبكات العنكبوتية قد أصبحت شركات رأسمالية، شبه احتكارية، وخاضعة لمنطق تنافسات بضائع الأسواق، وقابلة للاستغلال من قبل أقليات النفوذ والهيمنة، فإن ممارسة الشك فيما تسمح وما لا تسمح به قد أصبح ضرورة قصوى. وهذا يتطلب استعمال منطق الوسائل العلمية فى النظر للأمور. فالوسائل العلمية تعلم خطوات جمع المعلومات وتمحيصها وتحليلها وعدم قبول ما هو غير منطقى فيها.
لو كانت مؤسسات التعليم فى بلاد العرب تبنى فى طلابها قدرات استعمال الوسائل العلمية الصارمة تلك لشعرنا بالاطمئنان وعرفنا أن شباب الأمة سيتعاملون مع تعقيدات الشبكات العنكبوتية.
لكن مؤسسات التعليم العربية مشغولة بحشو الرءوس بالمعلومات، وبإعادة إنتاج الثقافات المتخلفة فى عقول الأجيال.
هنا تكمن الأخطار، وهنا تبرز عظم المشكلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved