للثورة وجوه أخرى

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الثلاثاء 13 مارس 2012 - 11:35 ص بتوقيت القاهرة

بتاريخ السبت 10 مارس نشر الصديق الأستاذ وائل قنديل مقالا بجريدة «الشروق» بعنوان (يوم الشهيد يا خسارة نسى) ووجه لوما لى بسبب تنظيمى كنائب عن دائرة مدينة نصر كرنفالا جماهيريا فى يوم الشهيد واتهمنى بنسيان الثورة والشهداء ورفاق النضال الذين كانوا معى قبل الثورة وبعد الثورة، وقد جاء مقال الصديق العزيز وائل قنديل حافزا لى لأكتب إليه ليس تعليقا على مقاله واتهامه فقط بل تعليقا على مقالات كثيرة سابقة له تسير فى نفس الاتجاه وتحمل نفس اللغة وتعبر عن نفس الفلسفة لنظرته وفهمه للثورة.

 

أعانى مشكلة كبيرة مع رؤية البعض للثورة وعلى رأسهم الأستاذ وائل قنديل على أنها مسار احتجاجى فقط مرتفع الصوت دوما لا يغادر ميدان التحرير ولا يخرج خارج حدوده، يرى هذا الفهم للثورة أن ثباتك الثورى ونقاءك هو أن تظل تصرخ وتحتج وتعترض وتدين وتشجب وترفع قمصان الشهداء الملطخة بدمائهم ولا تفعل أى شىء سوى أن تذهب إلى كل الأماكن وفى كل الأوقات وتهتف: القصاص القصاص دون أن تفعل شيئا حقيقيا لإنجاز هذا القصاص، يرى هذا الفهم للثورة أنها يجب ألا تغادر الميدان أبدا ولذلك عليها أن تظل فى الميدان حتى لو انفض كل الناس عنه وحتى لو أصبح التواجد فى الميدان قد لا يحقق أهداف الثورة، المهم أن تظل فى الميدان رافعا صوتك حتى تكتب من القابضين على جمر الثورة بحد تعبيره..!!

 

فهمى للثورة أنها مساران: مسار للهدم والتفكيك، ومسار للبناء، وهناك توازٍ للمسارين يجب الحفاظ عليه حتى لا يحدث خلل للثورة إذا فقدت هذا التوازى، فهمى للثورة أنها ليست محصورة فى الميدان ولا فى هتافات احتجاجية وصوت مرتفع طوال الوقت، فهمى للثورة أنها ليست بكائيات وصعبانيات ومصمصة شفاه على الثوار والشهداء دون محاولة لبذل الجهد لتحليل ومعالجة أسباب تعثر الثورة والثوار.

 

دفع شباب الثورة الثمن غاليا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة التى دخل فيها البرلمان ثلاثة فقط من شباب الثورة وهم العبد لله فى معركة مشرفة على مقعد الفردى بمدينة نصر وزميلان آخران نجحا على رءوس القوائم الحزبية وليس الفردى ولم يهتم الأستاذ وائل ومن يحملون نفس فكره فى دراسة هذه الفاجعة والتعرف على أسبابها التى أرى أن من أهم أسبابها هو خطاب الأستاذ وائل وأقرانه الذىن تأثر بهم قطاع كبير من شباب  الثورة فمارسوه عمليا ومنهم من قاطع الانتخابات البرلمانية من الأساس ومنهم من قام بتخوين شباب الثورة الذين قرروا خوض الانتخابات واتهمهم أيضا بنسيان الثورة وبيع الشهداء.

 

لم يلتفت الأستاذ وائل حتى الآن أن هذا الخطاب هو ما نفر الناس من الثورة وجعلها تخاف من الثورة، لم يدرك أيضا أن مصر ليست القاهرة فقط وليست الثوار فقط، ولكنها أكبر بكثير وفيها ملايين ممن ضاقت بهم الحياة وانقطعت أسباب رزقهم ونجح مسلسل استعدائهم ضد الثورة والثوار فذهبوا لاختيار جماعات الاستقرار ودخول الجنة والفوز بالأخرة وزهدوا فى أصحاب الصوت العالى ممن ينسبون أنفسهم للثورة.

 

لن أستغرب إذا وجدت الأستاذ وائل يقف فى ميدان التحرير وهو يرفع لافتة مكتوبا عليها يسقط الرئيس القادم مع من رفعوها قبل ذلك، فمقدمات الأشياء تؤدى إلى نتائجها، خسرت الثورة جولتها فى البرلمان وقد تخسرها أيضا فى انتخابات الرئاسة لأن كثير من أمناء الثورة والأوفياء عليها مازالوا يفكرون بنفس الشكل ويعيشون فى برج الثورة العاجى الذى يسهل الجلوس فيه والتنظير والنضال واتهام الآخرين وشن معارك ضارية بجرة قلم دون احتكاك حقيقى بالشارع ومعرفة هموم الناس وأولوياتهم التى تختلف عن أولويات النخبة الثورية.

 

إننا نخوض المعركة الصعبة وندفع ثمنها وبدلا من أن نجد تشجيعا نجد اتهاما وتحقيرا مما نفعل، لو كلف الصديق العزيز نفسه وأرسل أحد شباب محررى جريدته لتغطية الحدث ــ مثلما فعلت العديد من الوسائل الإعلامية الأخرى ــ لتغيرت فكرته عما حدث ولوجه التحية لكل الشباب الذين شاركوا فى هذا الحدث الفريد الذى يعتبر نقلة نوعية فى التفاعل مع الشارع ونقل الثورة إلى مساحات جديدة تمزج فيها بين الثورى والتنموى وتتفهم احتياجات الشارع وأولوياته.

 

لم ير الأستاذ العزيز مسيرة مدينة نصر يوم 25 يناير الماضى والتى حشدت أكثر من 30 ألف فرد والتى كان فى مقدمتها نائب الدائرة المتهم بنسيان الشهداء، لم يتعرف على تجربتنا الثورية فى دائرة مدينة نصر التى تم تقسيمها إلى مربعات جغرافية وبكل مربع جغرافى فريق من المتطوعين من مختلف الأعمار والمهن تم تقسيمهم بشكل نوعى طبقا لتخصصاتهم ليكونوا زمرا نوعية كزمرة الأطباء وزمرة المهندسين وتخصصات أخرى ستعمل كلها لخدمة الدائرة بما تستطيع من علم وجهد ووقت.

 

أما عن الكرنفال الجماهيرى الذى انتقده الأستاذ العزيز دون أن يعرف ماهيته فهو أول ملتقى جماهيرى موسع للنائب مع سكان أحد المربعات الجغرافية وهى المنطقة الأولى للنقاش المباشر حول مشكلات الدائرة ووضع خريطة أولويات للمشكلات وتفعيل عملية التطوع لخدمة المجتمع بحضور رئيس الحى وعدد من المسئولين الحكوميين بالدائرة لتحقيق مفهوم الشراكة بين النائب وسكان دائرته وسلطات الدولة التنفيذية بالدائرة وقد تقدم لملء استمارات التطوع أكثر من 2500 شاب وفتاة وسيدة ورجل فى مشهد مهيب جعلنا نتأكد أن الشعب يريد بناء البلاد ولكن يحتاج إلى من يمد له يد العون.

 

كذلك تم التصويت على مجموعة من القيم لتمثل أولوية لسكان الدائرة وكان على رأس هذه القيم قيمة العدالة وتحدثت فى كلمتى أمام الجمهور على أن هذا ليس كرنفالا بالمعنى الاحتفالى ولكنه عمل تنموى يكمل أهداف الثورة وقلت إن الشهداء ماتوا من أجل أن يتعلم أولادنا تعليما جيدا ومن أجل أن تصبح شوارعنا نظيفة ومن أجل أن نعبر عن آرائنا بحرية وان دماء الشهداء فى رقابنا حتى نأخذ لهم بالقصاص العادل.

 

وحضر الكرنفال شاعر الثورة عبدالرحمن يوسف وأكد على نفس القيم وكذلك الفنان عزيز الشافعى الذى غنى يابلادى ورددها معه الجمهور وسط دموع لم تتوقف وفاء للشهداء.

 

إن ما نفعله هو إعادة تقديم الثورة وإعادة الشعب إليها بتوسيع مساحاتها وربطها بأولويات الناس ومشكلاتهم اليومية التى يعانون منها وتحقيق معنى التوازى بين مسار الهدم ومسار البناء.

 

استفادت مصر اكثر بهذا العدد من المتطوعين الذين سيتحركون لتحقيق مبادرتنا بجعل دائرة مدينة نصر بلا أمية وبلا بطالة خلال أربع سنوات ضمن خطة منهجية ستقدم نموذجا يحتذى به فى كل دوائر مصر لمفهوم المشاركة المجتمعية وتحقيق التنمية.

 

ما فعلناه أفضل بكثير وأفيد للوطن من أن أذهب وأقف لأهتف بهتافات لن يسمعها سواى أنا ومن حولى، إننا نجعل الثورة روحا وواقعا يعيشه الناس وهذا ما سيكمل الثورة، مع احترام كل من يتظاهر ويهتف ومع التأكيد على أن مسار الاحتجاج والتظاهر مهم ولكن حين تصل منه رسالة قوية مثل تظاهرنا واحتشادنا يوم 25 يناير الماضى.

 

دعونا نعمل ولا تسخفوا من اجتهادنا واحترموا وجهة نظرنا وتذكروا أننا قبل الثورة كنا نسمع نقدكم وعدم اكتراثكم بما نفعل وحين قامت الثورة اصبحنا أبطالا فى عيونكم، والآن نعدكم أننا سنكبر فى عيونكم أكثر حين ترون ما سنفعله لهذا الوطن وستكتبون إلينا وتقولون عذرا لم نفهمكم.. فللثورة وجوه أخرى..

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved