البريكس… من تكتل اقتصادى إلى مستثمر دولى

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: السبت 13 مايو 2017 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالًا لـ«يونس بلفلاح» ــ الباحث والأكاديمى المغربى ــ حول دول البريكس وإعلانها إنشاء بنك استثمارى للتنمية سيؤدى إلى تمويل عدد من المشروعات والخطط الاستراتيجية المهمة مما سيمثل علامة فارقة فى مسار هذه الدول.
يستهل الكاتب المقال بالإشارة إلى قيام دول البريكس سنة 2016 بالإعلان عن إنشاء بنك استثمارى للتنمية برأس مال قدره 100 مليار دولار مقسمة بين الدول الأعضاء فى مجموعة البريكس وهى: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا. ويمكن من خلال هذا البنك توظيف الأموال فى مشروعات البنى التحتية، ثم تكوين احتياطات مشتركة من العملات الصعبة أو عملات الملاذ الآمن لمواجهة التقلبات المتأججة فى السوق المالية العالمية. كما يهدف إلى وضع استراتيجية استثمارية تمكنه من شراء حصص فى كبريات الشركات العالمية، وكذلك تمويل المشروعات التكنولوجية المربحة، بخاصة فى دول الجنوب.
***
يأتى إنشاء هذه المؤسسة المالية بعد إعلان موسكو لسنة 2015 الذى أكدت فيه مجموعة البريكس أنها تسعى إلى إعادة هيكلة نظام «بريتون وودز» المالى. فحسب الإعلان نفسه، صمم هذا النظام لحقبة زمنية معينة وفقًا لظرفية ما بعد الحرب العالمية الثانية، والعالم الآن فى حاجة إلى نظام جديد يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية الجذرية فى عصر العولمة.
يضيف «بلفلاح» بأن هذه الخطوة تعد تحولًا كبيرًا فى مسار البريكس الذى أنشئ فى أربع دول سنة 2009 قبل انضمام جنوب إفريقيا إليه سنة 2011. فبنك التنمية المستحدث فى مدينة شنغهاى الصينية، يشكل لبنة أساسية فى كيان البريكس. وفى هذا الصدد، يذكر تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد الروسية سنة 2016 أن البنك يعتمد على سياسة استثمارية متطورة، تهدف إلى جعل البنك صندوقًا سياديًا للاستثمار فى دول الجنوب وفى قطاعات واعدة كالطاقات المتجددة، والأقطاب التكنولوجية، والبنى التحتية كشبكات الطرق، والإصلاح الزراعى، وشبكات المياه والكهرباء.
وفى بيان لوزارة الاقتصاد الصينية، تظهر الصين ترحيبها بقيام مقر البنك فى أراضيها، وهى صاحبة أكبر حصة فى الرأسمال الذى يقدر بنحو 41 مليار دولار، كما أعلنت استهدافها الدول الإفريقية وأمريكا الجنوبية كشريحة مهمة للاستثمار فيها. وفى رد على ذلك، أعلنت كل من الأرجنتين، وفنزويلا، ونيجيريا، وغانا، عن ترحيبهم بهذه المبادرة واستعدادهم للتعاون مع بنك التنمية.
على هذا النحو، تسير دول البريكس نحو تغيير استراتيجيتها القائمة على تكتل وتبادل تجارى بين الدول الأعضاء عبر تكامل اقتصادى، إلى مستثمر دولى ينوع شركاته ويهتم بالدول التى تجد صعوبات فى التعامل مع المؤسسات المالية العالمية. وبذلك، فإن بنك التنمية يسعى إلى اقتحام الأسواق الواعدة بالنمو والاستثمار فيها بهدف تحقيق هوامش ربحية وحصص سوق كبيرة، الأمر الذى يزيد من النفوذ السياسى لهذه الدول، وبخاصة تحالفاتها مع دول الجنوب، وبذلك، تصبح دول البريكس قوة اقتصادية فاعلة وذات تأثير سياسى قوى.
***
مما لا شك فيه، أن النفوذ السياسى لهذه المجموعة هو فى توغل مطرد بقيادة روسية وصينية، عائدة إلى تواجدهما المتوازن فى مجلس الأمن، وإلى مواقفهما القوية فى القضايا الدولية، فضلا عن توفر ترسانة عسكرية كبيرة وحديثة فى دول البريكس تجعلها فى المراتب العليا فى تصنيف جيوش العالم. وتستحوذ هذه الدول عمومًا على ربع مساحة العالم، وعلى أكثر من 43% من السكان، وتقود قاطرة التقدم الاقتصادى بتحقيقها ما يقارب 25% من الدخل القومى العالمى، كما تستأثر بنصف الاحتياطى العالمى من العملات الأجنبية والذهب. ناهيك بسيطرتها على ثلث التجارة العالمية، وجلبها لنصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى كل أنحاء المعمورة، وعلى وجه الخصوص، الاقتصاد الصينى الذى يمثل لوحده 10% من الاقتصاد العالمى، من خلال توجيه الأنشطة الصناعية نحو التصدير، وجلب الاستثمارات الأجنبية لخلق فرص عمل. فقد نجحت الصين فى تحويل الفائض الاقتصادى إلى فاعل تنموى من خلال رفع معدل الادخار المحلى من 20% إلى 30%، والاستثمار إلى 35% فى ظرف زمنى قصير.
وعلى المنوال ذاته، تصنف روسيا كسادس اقتصاد عالمى يعتمد على الصناعات الثقيلة والطاقة، بينما تحث البرازيل الخطى نحو اقتصاد صاعد وتنافسى، يضع فى نصب أعينه مسألة العدالة الاجتماعية، بحيث يظهر هذا الاتجاه بشكل جلى فى الإنجازات التنموية للبرازيل، والتى تمكنت من توسيع الطبقة المتوسطة التى كانت لا تتعدى 24% سنة 2000 إلى 35% سنة 2015. وتمثل الهند أطروحة اقتصادية ناجحة، إذ استطاعت أن تخفض عدد فقرائها إلى النصف خلال عقد واحد، وذلك عبر انفتاح اقتصادى موجه نحو المبادلات التجارية، وتطوير الاقتصاد المعرفى ببنية تحتية تكنولوجية، معززة بمراكز أبحاث ومختبرات علمية تعمل إلى جانب شركات ناشئة فى إطار أقطاب وحدائق تكنولوجية وصناعية كبرى. وعلى نحو مماثل، نجد جنوب إفريقيا، التى تجاوزت صراعاتها الداخلية من حروب أهلية وتمييز عنصرى، تتجه نحو آفاق اقتصادية رحبة، جعلتها أول اقتصاد إفريقى، على الرغم من امتلاك دول إفريقية أخرى ثروات نفطية كبرى، يشكل دخلها القومى 40% من مجموع دخل القارة الإفريقية، وحققت قفزات نوعية فى تطوير القطاعات المالية كالمصارف والخدمات السياحية.
على صعيد آخر، تواجه دول البريكس تحديات عدة؛ حيث يشير تقرير البنك الدولى حول الاقتصادات الناشئة لسنة 2015 إلى أن بعض دول البريكس تعانى من استفحال الفساد الإدارى كما هو الحال فى روسيا، الأمر الذى يعيق السياسات التنموية، ويحول دون تحقيق الأهداف البنيوية للدولة، وخصوصًا مع انتشار هذا الفساد فى قطاعات رئيسة كالقضاء، والصحة، والشرطة، فيما تعانى الصين من غياب العدالة الجغرافية فى توزيع الثروات بين المجال الحضرى والأرياف، ما يوسع الهوة والفوارق الاجتماعية بين الطبقات. ولا تزال جل اقتصاديات البريكس مرتبطة بالاقتصاد الغربى بعامة، والأمريكى بخاصة، من خلال حركة التدفقات المالية والمبادلات التجارية.
***
يختتم الكاتب بالتأكيد على أن إنشاء بنك التنمية الجديد سيشكل طفرة نوعية فى توجهات مجموعة البريكس، وسيكرس سيطرتها الاقتصادية، التى من المحتمل أن تسهم بنسبة 50% فى إجمالى النمو الاقتصادى العالمى بحلول سنة 2030 بحسب تقرير البنك الدولى نفسه.
النص الأصلى:

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved