وفى السياسة مرض..

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الجمعة 13 يونيو 2014 - 4:35 ص بتوقيت القاهرة

لو ألقى الإنسان نظرة متفحصة على الصفات الأساسية التى تتحلَّى بها أنظمة الحكم فى بلاد العرب لوجد أنه لا يوجد نظام حكم إلاَّ ويتَّصف ببعض أو كل الصفات التالية. وسأترك للقارئ تحديد صفات الحكم الذى يحكم مجتمعه.

أولا: هناك البعض الذى لا يخضع للمعايير المتحضرة المتعارف عليها فى المجتمعات المتقدمة وذلك بالنسبة للعلاقات المطلوبة بين الحاكم والمحكومين. فهذه العلاقات لا تحتكم إلى دساتير وقوانين عادلة مطبَّقة بتساوٍ بين الجهتين، فتكون النتيجة كسر وخروج دائمين على القانون لصالح الأقوياء.

ثانياَ: هناك البعض الذى يمارس رذيلة الخداع من خلال ممارسة الكذب بواسطة وسائل إعلامية فاجرة، أو انتحال أسماء وأوصاف لا تنطبق على نظامه، أو تضليل شعوبه إلى ما يصب فى النهاية فى صالح امتيازات الحاكمين.

ثالثا: هناك البعض الذى يتصّرف بنزق ودون حساب للعواقب. ولقد رأينا قادة يدخلون شعوبهم فى حروب مدمّرة دون دراسة أو تفكير. مثل هؤلاء لا يؤمنون بالتخطيط المسبق الذى يوازن بين الخطوات والقرارات من أجل اتباع الأسلم والأفضل.

رابعا: هناك البعض الذى يتصف بالعدوانية تجاه مجتمعاته من خلال أنظمة عصبية تجاه كل ما تعتقد أنه ضار بها وبامتيازاتها وبالتالى فإنها تستعمل كل أساليب العنف المادى والمعنوى للإبقاء على تلك الامتيازات.

خامسا: هناك البعض الأهوج الذى لا تهمُّه عواقب تصُّرفاته وحماقاته. مثل هذه الحماقات قادت أحيانا إلى كوارث اقتصادية واجتماعية للأغنياء والفقراء على السّواء، وأدّت إلى انقلابات إيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس.

سادسا: هناك البعض الذى لا يوثق بقدرته على تحمل المسئولية. إنها أنظمة كسولة متثائبة غير كفؤة تنقل مجتمعاتها من محنة إلى محنة أخرى دون أن تقبل المساءلة والمحاسبة أو دفع الثّمن أو حتى الاعتذار.

سابعا: أخيرا هناك البعض الذى لا يتحرك فيه ضمير إنسانى، وبالتالى لا يندم على ارتكابه الأخطاء. أو المساهمة فى إيذاء شعبه، بل حتى التسُّبب فى موت الألوف من أبناء وبنات مجتمعاته التى يحكم. مثل هؤلاء ينامون قريرى العين بينما شعوبهم تعيش فى جحيم الفقر والمرض والجهل، بل ويستطيعون بانتهازية أخلاقية اختلاق التبريرات الواهية الكاذبة لكل ما يتسبّبون فى حدوثه. فالبطالة والفقر مثلا سببهما الكسل والدّلع وليس النّهب والظلم.

•••

نحن أمام سبع صفات وسلوكيات لو اتصف بها أو ببعضها فرد أو مارسها لشخّصه أطباء وعلماء النفس بأنه مصاب بالمرض العقلى الشهير المسمّى سايكوباثى ((psychopath وهو عبارة عن لوثة عقلية تجعل المصاب بها أقرب إلى الجنون الذى يمنع صاحبه من السلوك سلوكا طبيعيا والتفكير بمنطق وموضوعية.

هذا المرض لا يعالج بإلقاء المواعظ والنصائح على الفرد المصاب. إنه يحتاج لعلاج نفسى لكل الاختلالات النفسية ويحتاج فى الوقت نفسه لخطوات عقابية للصفات الاجتماعية العدائية التى تضر بالآخرين.

وإذا عرفنا بأن بعض الدراسات البحثية قد أظهرت انتشار هذا الانحراف العقلى ــ الاجتماعى بين السياسيين ورجال الأعمال أدركنا أهمَّيتها إذ أظهرت ممارسة الصفات والسلوكيات السايكوباثية من قبل الشركات العولمية الكبيرة فى حقل المال والاقتصاد، ومن قبل الأنظمة السياسية القمعية غير الديمقراطية فى عالم السياسة.

الإشكالية فى الموضوع برمَّته هو أنه عندما يصاب فرد بهذا التشوُه العقلى ــ الاجتماعى فإن عواقبه تظلُّ محصورة فى محيط الفرد الضيٍّق والمحدود.

لكن عندما تمارس الشركات الكبرى أو أنظمة الحكم بعض أو كل تلك الصفات والسلوكيات فان أضرارها قد تصيب الألوف أو الملايين. ولنا فى تاريخنا وتاريخ البشرية آلاف الأمثلة من مثل نيرون والحجّاج وهتلر وستالين وفرنكو وبعض قيادات الانقلابات العسكرية، من الذين تميزت تركيبتهم النفسية ــ الاجتماعية بالنرجسية والخداع والتصرفات غير المسئولة وموت الضمير والقدرة اللا متناهية على تبرير تصُّرفاتهم من خلال وضع اللوم على الآخرين. إنهم أناس لم يستطيعوا كبح جماح رغباتهم المتوحشة ولا الإحساس بالذنب تجاه آلام وعذابات ضحاياهم.

•••

وفى الاقتصاد يكفى أن نتذكر ما فعلته الكثير من الشركات من تلويث وتدمير للبيئة الطبيعية ومن إدخال العالم فى أزمات مالية واقتصادية زادت فى غنى الأغنياء وفى فقر الفقراء.

مثلما تضج عائلات ومجتمعات مرضى السّايكوباثى من كثرة أذاهم وتتطلّع إلى يوم علاجهم وشفائهم تطلعت مجتمعات الوطن العربى، بأشكال مختلفة، من خلال ثورات وحراكات الربيع العربى التى ما زالت تفور ولا تهدأ، تطلعت إلى إنهاء مظاهر ذلك المرض فى مجتمعاتها.

هل من علاج؟ نعم، فى حالتنا العربية يكمن العلاج فى الانتقال إلى مجتمعات ديمقراطية عادلة. بغير ذلك سنظل ندور فى نرجسيات الملك العضوص والقائد الفذ والحزب الطليعى والزعيم الأب، وهى مسميات تخفى من ورائها كل صفات مرض السايكوباثى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved