إعادة الاعتبار للدستور

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 13 أكتوبر 2015 - 7:40 ص بتوقيت القاهرة

يبدو أن كلمة السيد رئيس الجمهورية فى احتفال السادس من أكتوبر قد حسمت الجدل الدائر منذ أسابيع حول تعديل الدستور، ووضحت أن مثل هذا التعديل ليس مطروحا فى الوقت الحالى. ولكن مع تراجع الحملة المطالبة بتعديل الدستور، فإن الموضوع لا ينبغى أن يتوقف عند هذا الحد، بل هناك حاجة ماسة لاستكمال الحوار حول دستور٢٠١٤، ومستقبله، واعادة الاعتبار إليه.
الدستور الحالى ليس «كامل الأوصاف» ولا هو ــ كما وصفه بعض المتحمسين وقت الاستفتاء ــ أعظم دساتير العالم. ولذلك فالمطالبة بتعديله ليست فى حد ذاتها خطأ ولا جريمة. وقد تعلمنا من فقهاء القانون الدستورى أن من عيوب الدساتير أن تكون «جامدة»، أى لا تتضمن آليات تعديلها، بما يدفع المجتمع فى فترات الاحتقان إلى تجاهلها أو الثورة عليها. ولكن ما أثار القلق من الحديث عن تعديل مرتقب أن هذا الدستور قد حظى بتأييد ساحق لأنه عبر فى مجمله عن آمال وطموح الشعب المصرى، خاصة فى باب الحقوق والحريات، وعن توافق وطنى واسع حول مشروع بناء دولة مدنية، ديمقراطية، عادلة، يسودها القانون. ولذلك فإن تعديله فى الوقت الحالى كان يعنى التراجع عن الأساس التوافقى الذى يمكن البناء عليه مستقبلا، وفتح باب الجدل والمساومة على الحقوق والحريات التى كفلها الدستور.
ولكن من جهة أخرى فإن مجرد التأكيد على عدم التعديل ليس كافيا، بل الأهم من ذلك هو إعادة الاحترام للدستور، والتمسك بنصوصه وأحكامه. والعمل على استرجاع القيم التى يجسدها بعدما تعرضت للكثير من التجاهل منذ بدء العمل به فى مطلع العام الماضى، خاصة على الجانب التشريعى.
وبرغم أن حماية الدستور من القوانين المخالفة له هى مهمة المحكمة الدستورية، فإنها ليست مهمتها وحدها بل يقع على المجتمع عبء كبير فى ذلك. المحكمة الدستورية مختصة دون غيرها بالحماية القضائية للدستور، بمعنى أنها وحدها لها أن تقرر بطلان وإلغاء القوانين التى تصدر بالمخالفة له، وهذا دور هام ويجب احترامه وعدم التدخل فيه. ولكن كما أن هناك حماية قضائية، فإن هناك أيضا حماية من المجتمع وممن يشكلون ويؤثرون فى الرأى العام. وهذا ينطبق على كل جوانب تنظيم المجتمع. المحاكم الجنائية العادية هى المختصة دون غيرها بالحكم على من يسرق أو يقتل أو يغتصب. ولكن هذا لا يعنى أن المجتمع بكل ما فيه من أفراد ومنظمات وأحزاب ووسائل إعلام ليس له أى دور فى مكافحة السرقة والقتل والاغتصاب. المجتمع يقع عليه واجب المطالبة بالحماية من الجريمة، ومراقبة وقوعها، والإبلاغ عنها، والاحتجاج عند التستر عليها، والتوجه لنوابه البرلمانيين إذا ظهرت الحاجة لتعديل القوانين التى تردعها. وكذلك الأمر مع الدستور. المحكمة الدستورية هى التى تصدر الحكم النهائى بإلغاء القانون المخالف، ولكن هذا لا يعنى أن تبقى مؤسسات المجتمع المدنية والسياسية ساكتة وفى انتظار أن تصدر المحكمة قرارها، بل عليها دور فى التوعية والتعليق والاعتراض واقتراح البدائل والتمسك باحترام روح الدستور وليس نصوصه فقط.
وهنا نأتى إلى بيت القصيد: هل هناك قناعة سائدة فى المجتمع بأن الدستور ضرورى وملزم فى كل الأحوال وكل الظروف؟ أم أنه يمثل قيدا على الدولة وأجهزتها ويجوز تجاوزه وإهماله إذا دعت الظروف الأمنية والاقتصادية لذلك؟
الخطاب السائد فى المجتمع وفى وسائل الإعلام يروج لفكرة التعارض بين الدستور والقانون من جهة، وبين تحقيق الأمن والاستقرار من جهة إخرى. وهذه الفكرة الخاطئة هى التى تدفع الناس للاعتقاد بان التنازل عن تطبيق أحكام الدستور والتساهل فى معايير العدالة والقانون شروط لازمة لتحقيق الأمن، بينما الدستور ليس قيدا على الحاكم والسلطة التنفيذية وحدهما، بل إنه قيد على الجميع، كما أنه حماية للجميع أيضا. والدستور لا يحمى حقوق المواطنين فقط من تعسف السلطة، بل يحمى النظام الاقتصادى، ويحارب الفساد، ويحفظ حقوق الأقليات، ويصون مركز المرأة، ويحمى ذوى الإعاقة، ويراعى احتياجات الأطفال، ويحافظ على مؤسسات الدولة، وقواتها المسلحة، وأجهزتها الرقابية، ويدعم السلم الاجتماعى، ويحافظ على البيئة. ولذلك فإن تجاهل الدستور والاستهتار بأحكامه لا يؤدى فقط إلى تراجع قيم العدالة والقانون فى المجتمع، بل إلى اهدار فرصته فى التقدم والتنمية وفى تحقيق الأمن والاستقرار.
إعادة الاعتبار للدستور معركة جديرة بأن يشارك فيها كل من يرغبون لهذا البلد أن يستقر ويحقق لمواطنيه الأمن والأمان والتنمية الاقتصادية، وعلينا جميعا أن نتحد ليس فقط لمواجهة التعديلات غير مدروسة فى الدستور، وإنما أيضا لكى يعود له احترامه فى المجتمع ومكانته لأن هذا ما يوفر له الحماية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved