حذاء سيادة المستشارة

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الخميس 13 أكتوبر 2016 - 9:15 م بتوقيت القاهرة

فى السابعة من مساء يوم الاثنين الماضى، كنت أقف فى طابور طويل بمطار شرم الشيخ فى طريق العودة للقاهرة، بعد حضور الاحتفال بمرور ١٥٠ عاما على بدء الحياة النيابية فى مصر.

عندما وصلنا إلى جهاز الاسكانر المخصص لفحص الأمتعة ومرور المسافرين، طلب منا الموظفون ورجال الأمن خلع الأحذية والحزام وإخراج جميع المتعلقات خصوصا المعدنية، كما هو متبع مع الجميع.

كان أمامى فى الطابور مباشرة الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة. الرجل استجاب فورا وخلع حذاءه ووضع كل متعلقاته فى الصندوق المعدنى. لم يغضب أو يتبرم أو يقول: «كيف تفتشونى وأنا من كبار المحامين ورئيس أكبر جامعة فى مصر والمنطقة العربية وكل قارة أفريقيا؟».

فى الطابور نفسه، كان يقف كبار رجال السلطة القضائية ومنهم رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة وبعض رؤساء الأحزاب، والدكتور مفيد شهاب، وأحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية، ومحمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات ورئيس ائتلاف دعم مصر، وغالبية رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات الصحف المصرية، وكبار مقدمى البرامج فى القنوات الفضائية، وأعضاء مجلس النواب. ليس ذلك فقط. الجميع التزم بالتعليمات الحرفية، وخضع للتفتيش الذى لم يستغرق ربما دقيقة لكل شخص.

عندما طلب منا خلع الأحذية، كان الجميع «وفى نفس واحد» يتحدث عن المستشارة تهانى الجبالى، التى رفضت الخضوع لنفس الإجراء فى مطار القاهرة قبل أيام، واعتبرت أنه إهانة لها وللسلطة القضائية، وتدخل خارجى فى السيادة المصرية.

أعرف الأستاذة تهانى الجبالى منذ أكثر من ٢٥ عاما، ولها منى كل التقدير والاحترام، لكن موقفها من رفض التفتيش كان صادما، خصوصا أنها ذات يوم انتمت إلى صفوف الحركة الناصرية، التى فى جوهرها تعادى الاستعلاء على أساس شخصى أو طبقى أو كل ما يمت لشعار: «أنت مش عارف بتكلم مين؟».

وأنا فى المطار سألت أكثر من خبير قانونى كانوا معنا على نفس الرحلة. رأيهم أن الحصانة القضائية مرتبطة بصفة القاضى وطبيعة عمله فقط، وتعنى عدم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده فى الأحوال العادية إلا بإذن مجلسه الخاص أو الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وذلك فى حالة القبض عليه، أما حينما يتعلق الأمر بتفتيش فى المطارات مثلا فهو إجراءات إدارية عادية وليست قضائية، ويخضع لها كل الناس بما فيهم القاضى.

لا أعرف كيف غاب عن المستشارة تهانى الجبالى، أن الغرض من التفتيش هو حماية الشخص وكل المجتمع، وليس الحط من شأنه أو التقليل من قيمته. على سبيل المثال ربما يكون هناك مجرم دس شيئا فى حقائب القاضى أو ملابسه أو حتى حذائه. ولو لم يكن هناك تفتيش، ووقعت جريمة فربما تذهب الشكوك إلى الشخص الذى رفض التفتيش.

تقول الجبالى إن التفتيش اعتداء على سيادة مصر، والرد ببساطة أن غالبية مطارات العالم صارت تتبع نفس هذه الإجراءات تقريبا، لأن التفتيش صار أثره يتعدى حدود الدولة إلى الدول الأخرى. وإذا رفضت المستشارة الجبالى التفتيش فى مطارات بلدها مصر، فسوف تكون مضطرة إلى أن تخضع لنفس الإجراء أى خلع الحذاء فى أى مطار تذهب إليه فى أى دولة أخرى، والسؤال ماذا ستفعل فى هذه الحالة.. هل ترفض أم تتوقف عن السفر تماما؟!

ما رفضته الجبالى قبل أيام، ليس جديدا، لكن ذلك كان قبل سنوات طويلة. أذكر أن زوجة الرئيس التايوانى ووزيرة للتعاون أو الإعلام فى اليمن، رفضت خلع الحذاء فى أحد المطارات الأمريكية وعادت لبلدها. وبعض الشخصيات الأخرى قبلت الإجراء وطبقته بالمثل على مسئولين أمريكيين حينما زاروا بلدانهم. الآن خلع الحذاء ووضع معظم المتعلقات جانبا صار يتم فى معظم مطارات العالم وليس بدعة مصرية.

لو كنت مكان الجبالى لوجهت اللوم الأكبر إلى الإرهابيين الذين حولوا حياتنا إلى جحيم، وشوهوا الإسلام وتسببوا فى كل هذه العكننة اليومية على ملايين المسافرين حول العالم.

أظن أن رفض الجبالى خلع حذائها أساء كثيرا إليها، فى حين أن ذهاب وزير المالية د.عمرو الجارحى وخضوعه للتفتيش، زاده قيمة فى عيون الناس وأقنع مفتشى الجمارك أن القانون ينبغى أن يطبق على الجميع، خصوصا فى المطارات المصرية التى يضعها العالم أجمع تحت المجهر هذه الأيام، كى يعيد إليها السائحون مرة أخرى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved