المسكوت عنه فى انتخابات الرئاسة

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:20 م بتوقيت القاهرة

لا أدرى كيف «تهندس» السلطات فى مصر إجراء الانتخابات الرئاسية المقرر فتح باب الترشح لها فى فبراير القادم، تحت قانونى الطوارئ والتظاهر؟ هل توقف العمل بهما خلال شهور الانتخابات؟ وهل تمنع أم تسمح بالمواكب والمؤتمرات الانتخابية؟ وإلى أى درجة ستقلل من وطأة قبضتها على الصحف والقنوات الفضائية؟ وماذا ستفعل حيال المواقع الإخبارية المحجوبة؟

طريقة الإجابة عن هذه الأسئلة هى التى ستحدد نوعية انتخاباتنا الرئاسية المقبلة، وهل ستكون حرة ونزيهة، أو العكس، أو بطعم الاستفتاء المعروف نتائجه سلفا، فقانون الطوارئ وحده يمكنه ــ إذا استمر تطبيقه ــ تحويل هذه الانتخابات من عرس مفروض أن يكون ديمقراطيا إلى مأساة بائسة، فالمادة 3 من هذا القانون تتيح لرئيس الجمهورية بأمر كتابى أو شفوى وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والتنقل والإقامة، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات ووسائل الإعلان، وإخلاء بعض المناطق وعزلها، كما يمتلك الرئيس الحق فى عدم تنفيذ حكم المحكمة إذا أمرت بإخلاء سبيل أى معتقل يتظلم أمامها!!

أما قانون التظاهر، فهو وإن كان أخف وطأة من الطوارئ، إلا أنه أيضا لن يكون ملائما فى موسم الانتخابات، خاصة انه يتطلب من المرشحين التقدم بطلب لتنظيم المواكب والتجمعات الجماهيرية قبل 3 أيام من موعدها، ويعطى للداخلية حق رفضها أمام محكمة الأمور الوقتية، وهى إجراءات تعرقل واقعيا حركة المنافسين فى الانتخابات.
إذا تم إسقاط هذين القانونين خلال الانتخابات أو حتى سريانهما، وغضت السلطات الأمنية والتنفيذية الطرف عن تطبيقهما، فإن السؤال عن جدوى وجودهما من الأصل سيفرض نفسه، وسيضع السلطة فى مصر فى حرج سياسى بالغ، لانتفاء أية أسباب حقيقية لفرضهما، أما إذا تم العمل به فإنه يسقط تماما أى نوع من العدالة بين جميع المرشحين، لأنه يعطى للرئاسة سلطات مطلقة، قد توفر لها ــ نظريا ــ القدرة على إلغاء الانتخابات نفسها، إذا وقع حادث إرهابى كبير مثلا، أو إذا اندلعت أعمال عنف لأى سبب من الأسباب.

المفترض أيضا أن تجرى هذه الانتخابات فى مناخ ديمقراطى حقيقى، تشارك فيها كل القوى السياسية والنقابية والجماهيرية، وتطرح خلالها أسئلتها بل وهواجسها أيضا على جميع المرشحين، وأن تعقد الصحف والفضائيات مناظرات حرة بينهم، وبدون أية انحيازات مسبقة لمرشح دون آخر.

طبقا للمادة 140 من الدستور، من المقرر أن تبدأ إجراءات انتخابات الرئاسة فى شهر فبراير المقبل، وهى فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الشهرين ونصف الشهر، تفرض علينا أن نستغلها بأفضل صورة ممكنة لفتح هذه الملفات المسكوت عنها، حتى لا تفاجأ السلطة فى مصر بمقاطعة شعبية واسعة لهذه الانتخابات، قد لا تتيح لأى من المرشحين الحصول على نسبة الـ5% من أصوات الناخبين، واللازمة دستوريا لإعلان فوزه، لندخل جميعا فى نفق مظلم لا نعرف له أول من آخر.

أنا شخصيا لا أنتمى لمعسكر المتفائلين بمشاهدة أفق ديمقراطى يصاحب الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنى متيقن من أن إجراء هذه الانتخابات بالطرق التقليدية القديمة، والتى تتقن مساراتها وألاعيبها أجهزة الدولة العميقة، لن تحقق استقرارا سياسيا يتيح للسلطة أن تمضى قدما فى خطواتها الاقتصادية الصعبة، بدون احتجاجات جماهيرية واسعة، وتجربة أحمد عز مع انتخابات برلمان 2010 لم تسقط من الذاكرة بعد!

الرهان على صبر المصريين على أزماتهم المعيشية قد يكون خيارا متاحا، ولكن الرهان على تحملهم للتهميش السياسى والتفاوت الطبقى والاجتماعى ربما يكون أمرا محفوفا بمخاطر بالغة، لا يبدو أن أحدا فى مصر يضعها فى حسبانه بالقدر المطلوب!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved