الرئيس والدستور

طلعت إسماعيل
طلعت إسماعيل

آخر تحديث: الإثنين 13 نوفمبر 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

خيرا فعل الرئيس السيسى بقطعه الطريق على دعاة تعديل الدستور «الآن.. الآن وليس غدا» لمد الفترة الرئاسية إلى ست سنوات بدلا من أربع، وفتح عدد مرات البقاء فى الحكم لأكثر من دورتين رئاسيتين متتاليتين مدتهما ثمانى سنوات. 

الرئيس كان واضحا فى رده على مذيعة شبكة «سى إن بى سى» الأمريكية على هامش منتدى الشباب العالمى الذى اختتم اعماله بمدينة شرم الشيخ قبل أيام، بقوله: «سوف أحترم نص الدستور المصرى والذى يسمح للرؤساء بشغل مناصبهم لفترتين فقط، مدة الواحدة منهما أربع سنوات»، مؤكدا أنه «مع عدم تغيير هذا النظام، أقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أى تعديل فى الدستور فى هذه الفترة».

عقب هذا الكلام الصريح، بلعت القطة ألسنة من روجوا فكرة تعديل الدستور الذى لم يجف مداد حبر التصديق عليه بعد، ولم يدخل ساحة التطبيق العملى فى أهم محكاته الرئيسية وهى اختيار الرئيس ومدة بقائه فى الحكم، والتى جاءت فى الدستور كترجمة عملية لنضال المصريين وخروجهم بالملايين إلى الميادين فى 25 يناير 2011، للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وإسقاط النظام الذى يسمح ببقاء الرئيس على عرشه مدى الحياة، بل والسعى إلى التوريث.

ماذا يقول النائب إسماعيل نصرالدين صاحب مشروع تعديل الدستور والذى خرج على وسائل الإعلام بأكثر من بيان عن تمسكه بتقديم تعديلات دستورية لعدد من مواد الدستور القائم، بالتزامن مع بداية دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب الذى بدأ فى أكتوبر الماضى؟! 

نصرالدين الذى شدد على أنه «لن يتراجع عن قراره»، بالسعى لتعديل مواد الدستور وخاصة تلك التى تتعلق بفترة بقاء الرئيس فى السلطة، مطالب اليوم بأن يعطينا ردا، هل لا يزال عند موقفه السابق، أم أنه بات فى الأمور جديد؟!

وللحقيقة نصرالدين ليس وحده المطالب بتوضيح موقفه عقب تصريحات الرئيس، وإنما هناك جوقة من الصحفيين والإعلاميين الذين تبنوا موقفه، وشمروا عن أقلامهم وحناجرهم لتلقيننا دروسا فى الفقه الدستورى، وأهمية تعديل الدستور باعتباره ليس مقدسا، وأن واضعيه كانوا حسنى النية، لكن «الأمم لا تبنى بحسن النية فقط».

هل سيخرج علينا من وسط هؤلاء من يكون «رئاسيا» أكثر من الرئيس ذاته، ويطالب بتعديل الدستور، للسماح للرئيس بالبقاء فى سدة الحكم أكثر من الفترتين الرئاسيتين التى نص عليهما الدستور؟، أم سيتجاهل كل منهم الأمر، والاكتفاء بأن الموضوع كان مجرد «فقرة عابرة» فى سياق التقرب إلى أولى الأمر، ورغبة فى تقديم «خدماتهم» المجانى منها أو المدفوع الأجر!! 

الدساتير عقود اجتماعية بين الحكام والمحكومين، وهى تكتب للتطبيق، ولا تكون عرضة للتعديل والتبديل بلا أسس موضوعية تلتقى عليها قوى المجتمع الحية، وليست مادة للعبث لمجرد أن برلمانيا أو صحفيا هبط الوحى على رأسه بفكرة تغيير عدد من مواد الدستور بعد أقل من أربع سنوات من وضعه كنتيجة لجهود جبارة استدعت عكوف لجنة من كبار القانونيين والسياسيين والخبراء الدستوريين لأيام وليال حتى يخرج إلى النور والاستفتاء عليه من قبل ملايين المصريين. 

هذا لا يعنى أن الدستور كتاب مقدس لا يمكن المساس به، غير أن فتح الباب لتعديله لابد وأن يكون لعيوب يصعب الإبقاء عليها، وأعتقد أنه ليس هناك مبررات لفتح أحشاء الدستور مجددا إرضاء لبعض الأصوات التى تريد التقرب زلفى، أو تلك التى تسير فى الركب وحرصا منها على البقاء فى الصورة، فمثل هؤلاء لم يعد لدينا رفاهية ظهورهم على السطح، فيما الأعماق تمور بحزمة كبيرة من المشكلات التى تئن من تداعياتها غالبية بيوت المصريين، ولا أحد يعلم إلى أين تقود.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved