الكنافة تُؤكل ولا تُركل..

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الخميس 14 يناير 2016 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

** الدورى الإنجليزى لا مثيل له على الكوكب الأرضى، هو الأفضل، والأقوى. وسرعة مبارياته يمكن أن ترهق المتفرج الذى يجلس فى المدرجات أو فى حجرة منزله، بعيدا، فى بكين أو تكساس.. والمباريات المثيرة فى البريمير ليج كثيرة.
وحين تابعت مباراتى نيوكاسل مع مانشيستر يونايتد، ثم الأرسنال مع ليفربول.. قررت الحصول على راحة سلبية ثلاثة أيام، من فرط الإجهاد.. فاللاعبون يلعبون بجد، كأن الفائز سوف يحظى بدخول الجنة، أو كأنها المباراة الأخيرة فى حياته.. وكلما رغبت فى التقاط أنفاسى، أتحول إلى الدورى المصرى، فالإيقاع هادئ، لطيف، واللاعبون من الفريقين يهمسون، يهرولون، ثم يجرون بالكرة، ويجرون خلف الكرة، ويجرون من الكرة.. بينما المعلق يصرخ، وينفعل، ويرى كل تمريرة وتسديدة هجمة خطيرة. وأتساءل: لماذا يشعر بالفزع، وأدرك أنها محاولة يائسة منه، فلعله يصنع من الفسيخ شربات، ولا أظن أن محاولة واحدة نجحت.. وبعد فترة راحة، أعود إلى مباريات الدورى الإنجليزى.. أعود إلى الشربات !
** لذلك هو أغنى وأقوى دورى. ولا يقارن به الدورى الإسبانى، أو دورى برشلونة وريال مدريد.. فالكلاسيكو هو جوهرة المسابقة، ومن النادر أن تتسم المباريات الأخرى بنفس القدر من القوة.. ولا يقارن به الدورى الإيطالى، ولا الألمانى.. بينما فى دورى الإنجليز يلعب الجميع من أجل الفوز. هم لا يعرفون فلسفة اللعب من أجل عدم الخسارة.. ولا يقبلون التمرير بالعرض، ويغضبون من التمرير للخلف. وكل مباراة تبدو مثل معركة أو مبارزة فى الكوليزيوم الرومانى، تنتهى بمصرع المهزوم..
** أدرك الإنجليز فى تسعينيات القرن الماضى، أن أسلوب اللعب يجب أن يتغير. لم يعد ركل الكرة للأمام ولمسافات ممتعا. واستعانوا بالخبرات الأجنبية، بلاعبين من مختلف الجنسيات، حتى وصلت نسبة الغرباء فى الأندية إلى 67 % من عدد اللاعبين، فيما تبقى للإنجليز 33%، ودخل البريمير ليج جنسيات مختلفة، من مائة دولة، وأفريقيا وحدها يمثلها لاعبون من 15 دولة.. ومزج الثقافات صنع أقوى مسابقة محلية فى العالم.. لكنه قتل المنتخب الإنجليزى.. فلم يحقق أى إنجاز منذ فوزه بكأس العالم 1966.. ومع ذلك لم يقل ناقد أو خبير واحد فى العالم أن الكرة الإنجليزية فاشلة؟ فكيف تكون فاشلة وهى باتت مصدر المتعة والبهجة الأول فى الكرة الأرضية؟
** أكرر ذلك كثيرا.. فلعل الرسالة تصل إلى أصدقائى فى شارع الجبلاية ( البحر الأعمى سابقا )، ويعيدون تعريف الكرة المصرية.. فهى الجمهور، والحياة، ومشاهدة المباراة باستمتاع، فلا تكون عذاب الدنيا وهو النقل التليفزيونى رفيع المستوى، وليس تصوير رؤساء الأندية والمحاسيب والأقارب. والكرة المصرية هى مستوى التدريب، ومؤهلات المدربين، وبورصة اللاعبين، وأسعارهم ورواتبهم وحقوقهم. والكرة المصرية هى دورى المحترفين الذى ننتظره من سنين، ولم يأت. وهى مسابقات منتظمة نعرف بداياتها ونهاياتها. وتحكيم رفيع المستوى. والكرة المصرية تعنى منتخبات لا تعرف إشراف أعضاء من مجلس إدارة الاتحاد عليها.
** الكرة المصرية التى ننتظرها ونحلم بها، لا تزور فيها اختيارات قائد المنتخب أو المدير الفنى، أو أحسن لاعب فى العالم.. الكرة المصرية لن تكون أبدا مادام فيها هؤلاء الذين يصنعون لنا تلك الكنافة الأبدية، ظنا منهم أن الكنافة تُركل بينما هى تُؤكل .

حسن المستكاوى

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved