لا تظلموا «الخارجية» فى ملف النيل

خالد أبو بكر
خالد أبو بكر

آخر تحديث: الإثنين 15 فبراير 2016 - 10:23 ص بتوقيت القاهرة

تحدثنا الأسبوع الماضى عن صورة ذهنية سلبية عن مصر وقرت فى أذهان شعوب وحكام دول حوض النيل «أنتم تأخذون مياهنا ولا تعطونا شيئا»، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام الحديث الطويل ذى الشجون عن تراجع النفوذ المصرى أفريقيا، وهو واقع لا يمكن إنكاره، غير أن إطلاق النار على وزارة الخارجية، باعتبارها سبب هذا التراجع كما يحلو للكثيرين ممن لا يكلفون أنفسهم عناء التدقيق فى قراءة الملفات فهو أمر يجانبه الصواب وينتقص من أدوار الرجال فى هذه المؤسسة العريقة، ذات الكفاءة الفنية العالية، التى يشهد بها العدو قبل الصديق.

إننى أستطيع أن أتجاسر على القول بأن «الخارجية» هى المؤسسة المصرية الأكثر قدرة وكفاءة فى التعاطى مع المصالح المصرية فى القارة السمراء، وأن أبناءها جيلا وراء جيل، لم يفتحوا فقط ثغرات للنفاد المصرى إليها ــ وبخاصة فى دول حوض النيل ــ لكنهم عبدوا طرقا، لم تجد من يسير عليها من بقية أجهزة الدولة، الاقتصادية منها على وجه الخصوص، فضلا عن رجال الأعمال، الذين لم يتحلوا بالشجاعة فى الدخول إلى الأسواق الأفريقية الواسعة، ليستفيدوا منها، ويفيدوا الوطن بحضورهم فى نهاية المطاف.

وهنا يجب أن نشير بالبنان إلى الجهود الكبيرة التى بذلها الدكتور بطرس بطرس غالى طوال عمله وزيرا للدولة للشئون الخارجية (1977ــ 1992م)، ذلك أن مجهوده الرئيسى انصب على تعزيز الحضور المصرى فى القارة السمراء، وأسس «الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا» سنة 1980م، الذى يعتبر أحد أهم أذرع الدولة الرئيسية فى دعم قدرات الدول الأفريقية، صحيح أن ميزانيته (نحو 23 مليون دولار) باتت ضئيلة جدا مقارنة بما تقدمه دول عملاقة مثل الصين، إلا أنه لعب دورا مهما قبل أن تطأ أقدام الصين أفريقيا.

جهد غالٍ لم يذهب سدى، ذلك أن وزير الخارجية التاريخى السيد عمرو موسى (1991ــ 2001م) قد استثمر فى هذا الجهد وبنى عليه، فشهدت سنواته العشر على رأس الدبلوماسية المصرية حضورا مصريا كثيفا فى المحافل الأفريقية كافة. منها جهده الكبير فى عقد القمة الأفريقية – الأوروبية الأولى فى القاهرة سنة 2000م، وتلك المعركة الشرسة التى خاضها لانضمام مصر إلى «اتفاقية الكوميسا» سنة 1998م، وهى تجمع اقتصادى يضم دولا من الشرق والجنوب الأفريقى، بما فيها دول حوض النيل، وهدفها إلغاء جميع القيود التجارية بين دول أعضاء التجمع تمهيدا لإنشاء وحدة اقتصادية للمنطقة.

خاض موسى معارك شرسة مع بعض الأطراف الخارجية التى لم تكن تريد لمصر حضورا فاعلا فى قاراتها، بانضمامها لـ«الكوميسا»، لكن المعركة الأشرس لهذا الوزير الاستثنائى كانت فى الداخل، مع بعض وزراء المجموعة الاقتصادية من أصحاب التوجهات التى لا ترى أهمية فى الانفتاح المصرى على أفريقيا، دون الانتباه لأهمية خلق مصالح مشتركة مع دول حوض النيل، التى تأتى ــ أو تمر ــ مياهنا من أراضيها.

هذا الإعرض من جانب بعض الدوائر المصرية عن أفريقيا عانى منه أيضا وزير الخارجية الأسبق، السيد أحمد أبوالغيط، إذ يقول فى كتابه «شهادتي»: «كان تقديرى دائما أن المساعدات المصرية – مهما كان حجمها وتأثيرها – وكذلك الرشاوى، لن تحقق مصالحنا بشكل كامل فى أفريقيا؛ لأن تأثيرها سيبقى فترة محددة ثم يعود الموقف إلى وضعه السابق، وأن البديل الحقيقى هو إقامة مصالح مستمرة بين مصر وهذه المجتمعات (...) كانت هذه الدول تعرض لحومها أمام السوق المصرية، وكنا ومازلنا تحت تأثير مصالح ضيقة لا نتقدم إليهم. عرضوا علينا الأراضى الشاسعة لزراعة احتياجاتنا وتنمية الثروة الحيوانية والاستفادة بها فى أسواقنا، ولم نظهر سوى (حماس الكلام)، دون حسم المواقف، وقام رجال أعمالنا بغزوات قصيرة الأجل لم تحقق المطلوب منها بل كثيرا ما وعدوا وأخلفوا»!

فهل حان الوقت كى نتحرك لخلق مصالح مشتركة مع دول أفريقيا وعلى رأسها دول حوض النيل رغم شراسة المنافسة؟ سؤال نطرحه على صانع القرار المصرى.

kaboubakr@shorouknews.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved