أسئلة الانتخابات الرئاسية

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الأربعاء 14 مارس 2018 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

أية انتخابات على مثل هذا المستوى يفترض أن تتصدر بلا منازع الاهتمامات العامة بقدر ما يمثله المنصب الرئاسى فى بلد مثل مصر من تأثير عميق على حياة كل مواطن بالخيارات التى يتبناها والسياسات التى ينتهجها والمصالح التى يعبر عنها.
بقوة الحقيقة لا توجد مثل هذه الاهتمامات العامة فى الانتخابات التى تبدأ غدا فى الخارج.
عندما يغيب التنافس فى صناديق الاقتراع تفقد الانتخابات روحها، فكل شىء مقرر سلفا.
باستثناء لافتات الطرق والميادين وبعض المؤتمرات التى تؤيد وتبايع الرئيس الحالى والدعايات التى تحرض المواطنين على الذهاب إلى صناديق الاقتراع تكاد لا تشعر أن هناك انتخابات.
كان مثيرا ما هو منسوب للمنافس الافتراضى من تصريحات قال فيها إنه كان يعتقد أن الانتخابات فى إبريل حتى قرأ فى الصحف إنها فى مارس!
إذا كان لا يعرف، أو لا يهتم، بمواعيد الانتخابات فإن أى كلام عن التنافس يفقد صلته بالواقع ويخاصم العقل.
ما يحدث ــ بالضبط ــ استفتاء على رجل واحد.
هناك فارق بين الانتخابات المفتوحة والانتخابات المغلقة.
الأولى ـ فعل تنافس بين برامج ورجال وفق قواعد منضبطة تضمن احترام كل صوت فى صناديق الاقتراع.
والثانية ـ فعل تفويض بقوة الدولة وأجهزتها والناخبون موضوع حشد حتى يضفى عليه شرعية القبول العام.
منذ إلغاء الاستفتاء على رجل واحد لتولى المنصب الرئاسى شهدت مصر ثلاثة انتخابات، لكل منها قصة وتداعيات.
فى عام (٢٠٠٥) بدت الانتخابات أقرب إلى الاستفتاء بمسحة تنافس.
لم يوفر ذلك القدر من التنافس المحكوم بقواعد الدولة أية شرعية على حكم الرئيس الأسبق «حسنى مبارك».
كانت انتخابات (٢٠١٢) أول اختراق حقيقى لقواعد اللعبة القديمة، وأول مباراة مفتوحة بين رجال وبرامج.
أجهضت التجربة بتصور الجماعة، التى صعدت برجلها إلى قصر «الاتحادية»، أن ذلك يخولها «أخونة الدولة» واستبعاد القوى المدنية وإنكار الوسائل الديمقراطية، كأنها تستخدم مرة واحدة كـ«أوراق الكالينكس».
ثم جاءت انتخابات (٢٠١٤) فى ظروف ما بعد (٣٠) يونيو حيث كان الرصاص يدوى فى المكان وطلب الأمن يتصدر الأولويات.
فى ذلك الوقت اكتسب وزير الدفاع «عبدالفتاح السيسى» شعبية استثنائية لا يمكن إنكارها وبدا أمام قطاعات واسعة أملا فى المستقبل.
كان ترشحه للرئاسة مسألة شبه إجبارية بقوة تلك الشعبية.
أى كلام آخر فهو افتراضى لا صلة له بما كان جارٍ من رهانات انكسرت فى تجربة الحكم.
كان من بين تلك الرهانات التحول إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة وفق التزامات دستورية تمنع أى احتمال لعودة مخاوف الدولة الدينية، أو أشباح الدولة البوليسية.
بعد أربع سنوات من تلك التجربة، بأسباب صعودها وتراجع شعبيتها، تحتاج مصر إلى مراجعة حقيقية وجادة على قدر كبير من الشفافية والمصارحة.
ماذا حدث؟.. ولماذا؟.. أين كانت الأخطاء الرئيسية؟.. ومن يتحمل مسئوليتها؟.. ما حدود الإنجاز بلا مبالغة أو تهوين؟.. وهل هناك فرصة للتصحيح والتصويب بالفترة الرئاسية الثانية فى السياسات والأولويات؟
بطبيعة الأمور بين فترة رئاسية وأخرى المراجعة مسألة ضرورية.
للمراجعة تساؤلات تمتد من شواغل المواطنين وهمومهم اليومية وأولويات السياسات إلى الأزمات الوجودية كالحرب على الإرهاب واحتمال خفض نسبة مصر فى مياه النيل بعد ملء سد «النهضة» الإثيوبى والقدرة على إنتاج الغذاء لمواطنيها إلى مصائر الإقليم المشتعل بالنار وطبيعة العلاقات مع إسرائيل.
كان يفترض أن تكون تلك التساؤلات موضوع التنافس الانتخابى، لكنها اختفت مع غياب أى تنافس وإغلاق المجال العام أمام أى تنوع أو اجتهاد.
الانتخابات ـ بذاتها ـ ليست قضية زائدة عن الحاجة.
هى ـ أولا ـ فرصة لتجديد الشرعية الدستورية وضخ دماء فيها.
وهى ـ ثانيا ـ فرصة للحوار العام وفتح شرايين المجتمع أمام خيارات وبدائل يقرر بشأنها ما يشاء.
وهى ـ ثالثا ـ فرصة لتوسيع مدى القضايا المتوافق عليها واكتشاف مواطن الأخطاء بحرية النقاش.
وهى ـ رابعا ـ فرصة لاكتشاف قيادات تطرح نفسها بإقناع على الرأى العام فى مباراة مفتوحة.
كل تلك الفرص أهدرت تماما فى الانتخابات المقبلة ـ إذا ما صح وصفها بالانتخابات!
بقدر حجم التحديات الماثلة والأزمات الثقيلة فإن التماسك الوطنى الواسع قضية وجود.
التماسك له أصول وقواعد حديثة لها احترامها فى إدارة الشأن العام، لا دعايات تملأ الفضاء دون أن تقنع أو تستثير حماسا للذهاب إلى صناديق الاقتراع.
أزمة هذه الانتخابات تتلخص قبل أى شىء فى إغلاق المجال العام دون قدرة على تنفس سياسى ـ ولو بأجهزة اصطناعية.
هنا يحضر سؤالان بثقل ما هو ماثل لا ما هو مفترض.
الأول ـ ما نسبة المشاركة المتوقعة؟
الإجابة يحددها مدى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
إذا ما مضت على قواعد منضبطة تمنع أى تدخل بالتزوير، فهذا سوف يكون إنجازا يحفظ للمصريين بعض ما اكتسبوه بعد ثورة «يناير» فى إكساب الانتخابات صدقيتها واحترامها.
وإذا ما جرى تفلت من بعض جهات الدولة بالعودة إلى الأساليب القديمة فإنها سوف تكون مأساة كبرى تسحب من خزان الشرعية على المفتوح وتسىء لنظام الحكم بقسوة.
المعضلة ـ هنا ـ فى التعارض بين مصلحتين، إحداهما تؤكد حاجة نظام الحكم الحالى لإثبات شرعية القبول العام، وهذه ليست مسألة أرقام بقدر ما هى أجواء وتصرفات أمام لجان الاقتراع وداخلها، والأخرى تدعوه إلى السعى بأية طريقة لرفع نسب التصويت بحيث ألا تقل عن أى معدلات سابقة فى انتخابات (٢٠١٢) و(٢٠١٤) باعتقاد أنها تدخل فى صميم شرعيته.
قد يتبدى أن استعادة أجواء الانتخابات السابقة من رقص وأغانٍ أمام اللجان يمكن أن يسد نزيف الشعبية، فالظروف اختلفت والمنافسات اختفت.
أسوأ ما يجرى إطلاق الاتهامات، كأن يوصف الامتناع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع بـ«الخيانة العظمى».
هذه تهمة شنيعة تفضى ـ بالضرورة ـ إلى تبادلها مع الذين يطلقونها فيدخل البلد إلى نوع من الانحطاط السياسى ينذر بتقويض أى استقرار أو أمل فى المستقبل.
والثانى ـ ماذا بعد الانتخابات وتجديد ولاية الرئيس لمرة ثانية وما الصورة التى يمكن أن تكون عليها الانتخابات التالية عام (٢٠٢٢)؟
بصياغة أخرى: هل تشجع البيئة السياسية الحالية بكل مظاهرها المزعجة على انتقال سلمى للسلطة وفق قواعد تحترم الإرادة العامة وأصول النزاهة والشفافية؟
المسئولية الوطنية تقضى بأن يسلم الرئيس الحالى البلد لخلفه وهو فى حال أفضل مما كان عليه قبل توليه السلطة.
وذلك يحسب لمصلحة صورته فى التاريخ عند الجرد النهائى.
أما إذا ما جرى تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة الجمهورية بغير سقف، أو لمدة ثالثة تدمج فى الأحكام الانتقالية، فإن ذلك التطور المحتمل ضد الرئيس قبل غيره، يلغى الشرعية الدستورية باسم طلب التعديل، ويسحب من البلد كله الإنجاز الوحيد لثورتى «يناير» و«يونيو».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved