حروب أنابيب الغاز فى سوريا والمشرق

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: السبت 14 يونيو 2014 - 5:35 ص بتوقيت القاهرة

فى زيارته الأخيرة إلى الصين (شهر مايو) وقع فلاديمير بوتين اتفاقية لمد الصين بغاز قيمته 400 مليار دولار على امتداد ثلاثين عاما. كان معروفا أن المفاوضات على هذه الصفقة استغرقت مدة طويلة وتعرضت لضغوط وصعوبات دولية عديدة، ولكن ما لم يكن معروفا بالوضوح الكافى هو العلاقة بين هذه الصفقة والحرب الأهلية التى نشبت، ولاتزال ناشبة، فى سوريا.

كتب الماجور روب تايلور مقالا فى مجلة القوات المسلحة الأمريكية فى عددها قبل الأخير تحت عنوان صراع الأنابيب فى سوريا. يقترح فيه الماجور تايلور على المتخصصين فى شئون الأمن والدفاع، وبخاصة فى الشرق الأوسط، عدم إهمال قضية الصراع على الغاز وأنابيبه عند تحليل ظروف نشأة الحرب فى سوريا ومستقبلها. أثار المقال اهتمامى الشخصى باعتباري واحد من المتابعين للشأن السورى الذين لم يرتاحوا تماما لمعظم التحليلات العربية والأجنبية التى ناقشت تطور أوضاع سوريا فى السنوات الأخيرة. يأتى مقال الضابط الأمريكى ليسد جانبا مهما فى هذا النقص، وبطبيعة الحال لن يسد النقص بأكمله.

يقول تايلور إن دولة قطر عرضت فى عام 2009 على دمشق مد خط أنابيب يحمل الغاز القطرى والسعودى ويمر عبر سوريا متجها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. وبينما المفاوضات جارية فوجئ القطريون بدمشق تتفق مع العراق وإيران على مد خط أنابيب لتزويد أوروبا بالغاز الإيرانى، الأمر الذى فسرته بعض الأطراف تفسيرا مذهبيا، بما يعنى أن سوريا فضلت الغاز «الشيعى» على الغاز «السنى»، مما دفع بكل من قطر والسعودية إلى المجازفة بمحاولة عزل الرئيس الأسد وإقامة نظام يخضع لمشيئتهما ويتحكم فى القرار السورى ويمد الخط «السنى» عبر سوريا.

يستند روب تايلور فى تحليله إلى الكتاب الشهير الذى كتبه روبرت كابلان كبير المحللين السياسيين فى مؤسسة ستراتفور تحت عنوان «انتقام الجغرافيا» والصادر عام 2012، وكان عن دور الجغرافيا فى الصراعات الدولية منذ العصر الفرعونى حتى الربيع العربى. تعرض روبرت كابلان فى كتابه إلى الربط بين «الإرهاب» والغاز. الأمر الذى يفسر تمسك البعض لفكرة أن الحرب الأهلية السورية إنما نشبت بسبب الصراع الدولى على الغاز، وليس لأى سبب آخر أو على الأقل قبل أى سبب آخر. أفهم السبب، فالعسكريون عموما والباحثون من خلفيات عسكرية كانوا يميلون تقليديا إلى تعظيم دور الجغرافيا فى السياسة والاقتصاد والأمن، بل وفى سلوكيات الدول والأفراد. ولا شك أن القارئ فى أدبيات العلاقات الدولية فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وكثير من المؤلفات الشهيرة فى التاريخ العسكرى أدرك هذه الحقيقة، وبخاصة فى جوانبها المتعلقة بالبزوغ المتكرر لألمانيا فى تلك الحقبة.

•••

المهم أن المقدم تايلور استطاع بذكاء ودقة أن يقدم دليلا آخر على تماسك تحليله. إذ كتب يحلل الحروب الأهلية والصراعات الدولية فى منطقة القوقاز وبخاصة فى المجموعة المعروفة باسم GAAT (الحروف الأولى من جورجيا أرمينيا وأذربيجان وتركيا). يقول إن جهات متعددة فى الإقليم ومن خارجه كانت قد خططت لمد عدد من الأنابيب لنقل غاز روسيا إلى أوروبا، ثم تجدد الصراع بين آذربيجان وآرمينيا الحليفة لروسيا، وفى النهاية أقرت خطة من خط يمر بتيليسى فى جورجيا إلى جيهان التركية، ولكن بعد أن وافقت بقية الأطراف على مد خط آخر ينطلق من أذربيجان ويمر بروسيا ويحمل نفطا أذربيجانيا. وفى 2005 تدفق النفط عبر أنبوب يبدأ من باكو فى أذربيجان مارا بجورجيا ومنتهيا فى جيهان، رغم تمرد واحتجاج أهالى مقاطعة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا، تؤيدهم روسيا والصين، وأهالى أبخاسيا وأوسيتيا الجنوبية، الإقليمان اللذان اختارا الانفصال عن جورجيا وأهالى الشيشان وداغستان.

هذا التوتر فى محيط أنابيب الغاز والصراعات الناشبة حولها وبسببها، وهو التوتر الذى تفاقم بعد حادث تفجير خط غاز فى تركيا فى عام 2012، دفع الولايات المتحدة إلى وضع خطة تقضى بأن يشترط البنتاجون على الدول التى عقدت اتفاقيات للتدريب والمناورات المشتركة مع الولايات المتحدة، أن تجرى هذه التدريبات والمناورات المشتركة فى مواقع تمر بها هذه الأنابيب.

•••

على ضوء تصاعد الاهتمام الدولى بحقول الغاز المستغلة حديثا فى شرق البحر المتوسط، وكذلك من دروس القوقاز والأهمية القصوى لصفقة الغاز الروسية للصين والأزمة المتفاقمة التى تهدد سوق الطاقة فى مصر، أتصور أنه يتعين على المتخصصين وضع تصورات مبتكرة ومبدعة لمستقبل العلاقات الإقليمية وبخاصة بعد عام 2016 عندما يبدأ تدفق الغاز الإيرانى عبر الانبوب السورى. فى هذه الحالة قد يزداد فهمنا لطبيعة المصالح الروسية المتطورة فى الشرق الأوسط، وربما استطعنا إزالة بعض الغموض الذى أحاط ويحيط بالسياسة الأمريكية تجاه سوريا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved