شعاع من ضياء.. عمر الشريف

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الثلاثاء 14 يوليه 2015 - 9:20 ص بتوقيت القاهرة

بعد ثلاثة عقود من «بداية ونهاية» ١٩٦٠. يعود عمر الشريف لصلاح أبوسيف فى «المواطن مصرى» ١٩٩١.. فترة البعاد، انطلق فيها النجم المصرى إلى آفاق عالمية. عمل مع كبار المخرجين، الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين. وقف أمام ألمع الممثلين.. بالضرورة، اكتسب المزيد من الخبرة، المتوفرة أصلا، والتى اكتسبها خلال عمله تحت قيادة ملك التشويق الساخن، الهادئ، كمال الشيخ، فى «من أجل امرأة» ١٩٥٩، وبينما استوعب فن التعبير عن الصداقة، والتآخى، من حلمى حليم، فى «أيامنا الحلوة» ١٩٥٥، تعلم خصوصية الأداء على يد أستاذ الكوميديا، فطين عبدالوهاب، فى «إشاعة حب» ١٩٦٠.. وطبعا، ثمة مكتشفه الجامح، يوسف شاهين، الذى فجر طاقته فى «صراع فى الوادى» ١٩٥٤، و«صراع فى الميناء» ١٩٥٦.

فى ذات الفترة، بخطوات جادة، قدم الراسخ، صلاح أبوسيف، فيلما تلو الآخر، ليغدو المعلم الرئيسى، فى السينما المصرية.

كل منهما، عمر وصلاح، صاحب تجارب يعتد بها، فى عالم الأطياف، والواحد منهما، يعرف تماما، قيمة وقدرة واسلوب الآخر، لذا، جاء انجازهما فى «المواطن مصرى»، جديرا بالتأمل.

فى المشهد الأول، يبدو التجانس واضحا بين عمر الشريف، والملابس التى يستكمل العمدة «عبدالرازق الششتاوى» ارتداءها.. أصلا، هو بجلباب البيت، يطلب من زوجته احضار جلباب مكوى كى يقابل المحامى، المستشار «صدقى الجمال».. على طريقة الفلاحين، يشمط جلبابه من الخلف إلى الأمام، وفوق، تحته السروال الطويل، والصديرى يجلس على حافة السرير. تضع الزوجة الجلباب المكوى حول رأسه لينساب على جسمه. بحركة عفوية، يلتقط العباءة واللاسة من الشماعة، كما لو أنه تعود على هذا تماما.

سريعا، فى الموقف الأول، بين العمدة، والمحامى، ننتقل من الظاهر للباطن، نتعرف على شخصية العمدة من الداخل، يبينها عمر الشريف، ببراعة وخصوصية.. المحامى، يخطره أنه كسب قضية الأرض التى استولى عليها الإصلاح الزراعى، وان من حقه، الآن، استردادها، بالقانون، وقوة الشرطة إذا استلزم الأمر.. على العكس من المتوقع، لا تنتاب العمدة موجة من السعادة، ولا يهلل، ولا حتى يبتسم، ولكن يرتسم على وجهه قدر غير قليل من الأسى، فالواضح أن ذكريات مرة هاجمته.. يتحرك بذهول نحو الكاميرا، يغمض عينيه بشىء من الراحة بعد عناء طويل. يقول، كمن يتذوق معنى الكلمات «بعد عشرين سنة».. الانتشاء يتسلل لملامحه.

هنا، يختلف عمر الشريف عن جميع «العمد» فى السينما المصرية، بل لا علاقة له بالعمدة الأكول، الشره، الكاذب، الدنىء، الذى قدمه صلاح أبوسيف نفسه، فى «الزوجة الثانية» ١٩٦٧، بالأداء الصاخبة لصلاح منصور.. عمدة «المواطن مصرى»، القادم من صفحات رواية يوسف القعيد، وسيناريو محسن زايد، بملامحه المتفردة، يعبر فى ذات الوقت عن آلام وطموحات وتصورات طبقة الاقطاعيين التى ترى أن عبدالناصر، بقوانين نزع ملكيتهم للأراضى، ظلمهم إلى حد الإجحاف، وليست مصادفة أن يعلق العمدة، على حائط دواره، صورة أنور السادات، الذى ألغى قانون الإصلاح الزراعى، وأعاد لهم، ما يعتقدون أنها، حقوقهم المسلوبة.

طوال الفيلم، حتى بعد عودة الأرض، ثمة إحساس بالمرارة يظل ملازما للعمدة، يتبدى واضحا، حين يتحدث، بصوت لا يعلو أبدا، عن الظلم الذى تعرض له، عندما «نهبت الأرض» أمام عينيه.. انفعال عمر الشريف يأتى من أعماقه، يعبر عنه بحركة يد مقتصدة، وبالضغط على حروف كلمات، ليؤكد، بصرامة، للشيخ صقر، ومن معه من الفلاحين، أنه هو الذى ظلم، ويتساءل، هل المطلوب أن أترك لكم «أرضى» ولا يفوته الايحاء، فى كلمة «أرضى» أنه يتشبث بها، بيديه وأسنانه.

حافظ عمر الشريف، بتفهم، على جوهر التكوين الداخلى لعمدة يخفى تحت مظهره الهادئ، درجة هائلة من الشراسة، تتجلى فى موقفه الأخير، مع ضابط الجيش المنوط به تسليم جثمان الشهيد إلى والده.. الضابط يتشكك فى الأبوة المزعومة للعمدة، عندئذ، كالنمر، تلتمع فى عينى عمر الشريف نظرة تفيض بالتحدى، وبلهجة تنم عن تهديد مبطن، يسأل: هل ستسلم لى الجثة أم لا؟

عمر الشريف، فى «المواطن مصرى»، يصل لذروة، فى الأداء، تجعله، عن جداره، واحدا من أكثر نجومنا، خبرة ودراية، بأسرار من التمثيل، خاصة، حين يعمل مع صاحب «بداية ونهاية»، عمنا الكبير، صلاح أبوسيف.. رحم الله الاثنين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved