فى الذكرى الأولى لرابعة: دائرة اللعنة

أهداف سويف
أهداف سويف

آخر تحديث: الخميس 14 أغسطس 2014 - 7:40 ص بتوقيت القاهرة

فى ٢٤ يوليو ٢٠١٣ ذكّر الفريق أول (وقتها) عبدالفتاح السيسى الشعب بوقوف الجيش إلى جانبه فى ٣٠ يونيو، ثم طلب منه التفويض: «كل اللى أمرتوا بيه عملناه، لكن بصراحة أنا باطلب من المصريين طلب: يوم الجمعة الجاية لا بد من نزول كل المصريين الشرفاء، الأمناء. ينزلوا ليه؟ ينزلوا ليه. ينزلوا عشان يدونى تفويض وأمر بإنى أواجه العنف والإرهاب المحتمل. (تصفيق حاد ومستمر) ينزلوا عشان يوروا الدنيا، زى ما وروها قبل كده ــ أنا عمرى ما طلبت منكم حاجة، وماليش إنى أطلب منكم حاجة، لكن أنا باطلب منكم توروا الدنيا زى ما وريتوهم فى ٦/٣٠، و٧/٣. وفى ٢٦ يوليو نزلت عشرات الآلاف ــ أقل كثيرا ممن نزلوا فى ٣٠ يونيو، ولكن أيضا عدد لا يستهان به ــ نزلوا بعد صلاة الجمعة، ليستجيوا للفريق، ويفوضوه.

وأستأذن قارئى الكريم فى أن أعيد هنا نشر جزء من المقال الذى نشرته فى ٣١ يوليو ــ وانقطعت بعده عن الكتابة لمدة ٦ شهور ــ وكان بعنوان: «ما الذى فوض الناس عليه الفريق السيسى؟».

«الشعب المصرى رفض مشروع الإخوان المسلمين السياسى، وبدلا من أن يتخذ هذا الرفض شكلا يبلور أسبابه، ويفرض على الإخوان القبول به ويشعرهم بضرورة مراجعة رؤيتهم إن أرادوا الاستمرار كجزء من نسيج الوطن، اتخذ شكل حركة عسكرية جاءت تلبية لمطلب قطاع من الشعب نعم قطاع حتى وإن كان القطاع الأكبر لإقصاء قطاع آخر.

الجديد الذى نعيشه الآن هو توريط الشعب أكثر وأكثر فيما هو قادم. الفريق السيسى يخرج ليطلب تفويضا من الشعب «بعمل ما يلزم». شيك على بياض.

مِن الإخوان مَن قتل ومَن حبس ومَن عذب، ومن قياداتهم من حرض ويحرض. وهم البادئون بالعنف منذ أحاطوا مجلس الشعب بشبابهم يمنع الشعب عن التواصل مع ممثليه وحتى المواجهات مع الأهالى وترويعهم وقتلهم فى بين السرايات والمنيل ونصب السلخانات فى المساجد والاتحادية، وهم مسئولون عن الخطاب الطائفى والتحريضى وما نتج عنه من قتل وترويع للمسيحيين والشيعة ومن انشقاقات فى المجتمع. ولكن، وفى النهاية، القانون، إن فعِّل بنزاهة، كفيل بالتعامل مع من خرق القانون. وتفعيل القانون لا يحتاج تفويضا. وتفعيل القانون لكى يكون مجديا ومقنعا يجب أن يكون على الكل على كل من قتل ومن حبس ومن عذب ومن حرض ويحرض.

ما الذى فوض الناس عليه الفريق السيسى إذن؟

بعد مذابح ماسبيرو، ومحمد محمود، ومجلس الوزراء، والألتراس قمنا ولم نقعد. وكان الحق معنا. ماذا عن مذابح اليوم؟ أعرف أن الإخوان إلى جانب جرائمهم الأخرى ساندوا الداخلية وتواطأوا معها وقت مذابح الثورة، وهل يعنى هذا أن نتحول نحن عن مبادئنا ونتواطأ مع الداخلية وقت مذابح الإخوان؟

بعض الأصوات تطالب بإقالة اللواء محمد إبراهيم. لكننا نرى اللواء محمد إبراهيم من منصة حفل كلية الشرطة يكيل الحمد للفريق عبدالفتاح السيسى الجالس مواجه له فى الصف الأول، ونرى الفريق السيسى متأثرا إلى حد الدموع بحديث اللواء محمد إبراهيم، ونسمع القاعة تدوى بالتصفيق واللواء محمد إبراهيم يستشهد بـ«الشرعية الشعبية»، ويلَمِّح إلى أخطار وجودية غامضة أنقذنا منها الفريق السيسى.

ما الذى فوض الناس عليه الفريق السيسى؟»

•••

صدر يوم الثلاثاء تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن أحداث فض اعتصام رابعة واعتصام النهضة بعد تلك الخطبة بثلاثة أسابيع. وقد خلص التقرير إلى أن حكومة مصر وقتها قامت بفض الاعتصامين وهى على دراية وقبول بإمكانية سقوط آلاف القتلى، بل وهى تخطط لهذا، وهذا بناء على تصريحات معلنة ومنشورة لوزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، ورئيس الحكومة الدكتور حازم الببلاوى. كما خلصت إلى أن الحكومة لم تتح يومها لمن أراد الخروج من الاعتصام أن يخرج ولم تبذل جهدا للتقليل من عدد الضحايا. والتقرير جاء بعد بحث مستفيض لفريق العمل طوال العام الماضى، وترى المنظمة أن ما قامت به الحكومة فى ذلك اليوم من الجائز جدا أن ينطبق عليه توصيف «جريمة ضد الإنسانية». والتقرير منشور على موقع tinyurl.com/nf4cuwm، بعنوان «حسب الخطة» ويقع فى ١٨٨ صفحة.

وقد تصدت له الهيئة العامة للاستعلامات ببيان صدر فى نفس اليوم:

www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticleNews.aspx?ArtID=89700U-ndadwxGlL

أقل ما يقال فيه إنه بيان خطابى، لم يكلف من كتبه نفسه عناء قراءة التقرير أصلا، فيتهمه مثلا بتجاهل حرق عناصر الإخوان للكنائس، وقد تعامل التقرير مع هذه الأحداث فى ثلاث صفحات، أو يتهمه بتجاهل الجهود المصرية لتقصى الحقائق، والتقرير يذكرها كلها، بل ويوصى بنشرها وتفعيلها.

يعن لى هنا أن أسجل:

أولا: ما حدث فى رابعة كان مذبحة. العقد بين الشعب والدولة (سواء وافقنا عليه أو لم نوافق) هو أن الشعب يصرح للدولة باحتكار العنف ــ ولهذا يصرح لجنود القوات المسلحة والداخلية باستعمال وبحمل أدوات العنف. فإن استغلت القوات المسلحة أو الداخلية صلاحية العنف هذه لقتل أفراد الشعب صارت خارجة على هذا العقد ويجب على الدولة ــ بوصفها الكيان الذى يوحد ويمثل الجميع ــ أن تحاسبها. والكل يعرف أن الداخلية والقوات المسلحة تورطتا بالفعل فى قتل أفراد الشعب منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ (بل ومن قبل وكان مقتل خالد سعيد على يد الداخلية أحد مشعلات الثورة)، فمن جمعة الغضب إلى معركة الجمل، إلى ماسبيرو ومحمد محمود وغيرها وغيرها حتى مقتلة رابعة والنهضة ــ ثم القتل فى السجون وأماكن الاحتجاز المستمر إلى الآن ــ من الممكن أن نقرأ تاريخ أعوامنا الأخيرة كمحطات قام فيها جهازا الدولة المخولان باستعمال العنف باستعماله ضد الشعب.

ما يميز مقتلة ١٤ أغسطس ٢٠١٣ هو كبر حجمها، ووضوح العزم عليها، واستهدافها لفصيل معين. وفى الحقيقة أنه مهما كانت أخطاء هذا الفصيل أو جرائمه فهى لا تنفى جرم طريقة التعامل معه ولا ترفع المسئولية عمن قتلوه. وهذه هى الحقيقة التى رآها وعبر عنها، منذ ذلك اليوم، التيار الثورى الأصيل الذى ظل مخلصا لأفكار ومبادئ ٢٥ يناير. ولنتذكر فقط أن هذا التيار طعنه الإخوان وجرحوه مرارا سواء فى محمد محمود ومجلس الوزراء، أو حين جلس البرلمان الإسلامى، أو حين تولى الدكتور محمد مرسى الحكم وأطلق على الثوار القتلة والجلادين فى الاتحادية وغيرها. وإحدى الإشكاليات العميقة التى يواجهها هذا التيار هو كيف يعبر عن موقفه الإنسان والقانونى (السليم تماما) من رفض للمذابح وجميع الإجراءات غير القانونية التى تتخذها أجهزة الدولة ضد الإخوان بدون أن يسمح للإخوان باستغلال هذا الرفض لمصلحتهم السياسية، وبدون أن يسمح للنظام الحاكم بأن يصفه بأنه «مع الإرهاب».

ثانيا: بالنظر إلى رد فعل الحكومة الساذج وغير الكفء على تقرير هيومان رايتس ووتش، لا أستغرب انزعاجها الشديد من كل من يوثق الأحداث، وفى مقدمتهم الصحفيون والمصورون الصحفيون. وقد حمدنا الله على سلامة عبدالله الشامى، لكن لا زال لنا فى الحبس كثيرون نذكر منهم أحمد جمال زيادة، وشوكان، وعمر عبدالمقصود، هذا غير محمد فهمى وبيتر جريست وباهر محمد، وغيرهم. كم من السذاجة تصور أن حبس هؤلاء سيخفى أى حقيقة وأى حدث عن العيون فى زمن قلبت فيه تغريدات فتاة فلسطينية عندها ستاشر سنة موازين الرأى العام ضد إسرائيل فى عدوانها الأخير على غزة.

ثالثا: هناك أنواع من الجرائم الكبرى إن لم يحاسب مرتكبوها يظل المجتمع يدفع ثمنها لسنين وربما أجيال. عبر عنها الشعراء والدراميون القدامى بأنها تجلب لعنة تصيب البلاد إلى أن يقوم أحدهم بعمل مضاد يجلب صفح الآلهة. وبالرغم من هول الأحداث منذ بدء الثورة، بالرغم من القتل والحبس والسحل والمحاكمات العسكرية والانتهاكات والطوابير على أبواب المشرحة والأقسام والسجون ــ فإن أحداث ١٤ أغسطس ٢٠١٣ تقف، بشكل ما، وحدها. ربما لأن مقترفيها اتخذوا من «الشعب» عنوانا وساترا لهم.

والخروج من دائرة «اللعنة» هذه يكون بالتكاشف، والتحقيق، والمحاسبة، ووضع المسئوليات فى نصابها الصحيح. وهو ما توصى به هيومان رايتس ووتش. ففى توصياتها:

١ــ للحكومة المصرية أن تأمر قوات الأمن بإنهاء استخدامها المفرط، غير المشروع للقوة، وبالتصرف بمقتضى القانون الدولى لحقوق الإنسان والمعايير الدولية لاستخدام القوة فى حفظ الأمن عند التظاهر.

أن تنشر نتائج وتوصيات لجنة تقصى الحقائق المشكلة فى ما بعد ٣٠ يونيو، علاوة على النتائج والتوصيات الخاصة بلجان تقصى الحقائق لعامى ٢٠١١ ٢٠١٢.

٢ــ للنائب العام أن يجرى تحقيقا مدققا ومحايدا فى الاستخدام غير المشروع للقوة من جانب قوات الأمن لقتل متظاهرين منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ويلاحق من تثبت بحقهم أدلة على المسئولية الجنائية، بمن فيهم أعضاء القيادة.

أن يفرج فورا عن الأشخاص المحتجزين دون تهم فى أعقاب مظاهرات فى يوليو وأغسطس ٢٠١٣، أو أن يوجه إليهم اتهامات فورية محددة ومعترف بها فى القانون الجنائى، وتعقبها محاكمات عادلة فى غضون إطار زمنى معقول.

٣ــ للدول الأعضاء فى الأمم المتحدة أن تشكل، من خلال المجلس الأممى لحقوق الإنسان، لجنة دولية لتقصى الحقائق، بغرض التحقيق فى كل انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن أعمال القتل الجماعى للمتظاهرين منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣. وينبغى تفويض اللجنة بحيث تثبت الوقائع وتحدد المسئولين بهدف ضمان محاسبة مرتكبى الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلا من جانب مؤسسات قضائية ذات مصداقية. وأن تضمن اتساع التفويض بما يكفى لتغطية ما مضى وما يستجد من أعمال انتهاك حقوق الإنسان التى ارتكبتها قوات الأمن المصرية، وكذلك انتهاكات المتظاهرين.

أن تعلق كل مبيعات وتوريدات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن لمصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك المتعلقة بقمع المظاهرات السلمية، ومحاسبة منتهكى الحقوق.

بموجب مبدأ شمولية الاختصاص ووفق القوانين الوطنية، أن تحقق مع المتورطين فى جرائم خطيرة (بموجب القانون الدولى) تم ارتكابها فى مصر فى يوليو وأغسطس ٢٠١٣، وأن تلاحقهم».

هذه هى توصيات منظمة يشهد لها العالم أجمع ــ وشهدت لها مصر من قبل ــ بالحيادية والمهنية المطلقة. ولا زال فى وسع الدولة المصرية أن تبعد عن مسئوليها خطر الملاحقة القضائية الدولية بأن تبدأ فى القيام بمسئولياتها بجدية، وتتعامل مع الشعب المصرى بوصفه شعبا ذا عقل ورؤية وإرادة، فتبدأ بنشر تقارير لجان تقصى الحقائق المختلفة، وتعطينا أمارة أنها تعى دائرة اللعنة التى دخلت البلاد فيها وستعمل على إخراجنا منها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved