محادثات السلام في الشرق الأوسط علي طاولة مائلة


حسين أغا وروبرت مالي

آخر تحديث: الثلاثاء 14 سبتمبر 2010 - 9:53 ص بتوقيت القاهرة

 رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو هو رئيس دولة مستقرة يمتلك القدرة على الوفاء بالتزاماته. ورغم احتفاء الفلسطينيين بما يفترض أنه بناء مؤسساتى، فهم ليس لديهم سلطة مركزية قوية. وأراضيهم مقسمة بين الضفة الغربية وغزة. وسوف يجد الفلسطينيون صعوبة فى تنفيذ أى اتفاق بالاعتماد على أنفسهم، بصرف النظر عن مدى رغبتهم فى ذلك. بينما تسيطر إسرائيل على كل الأصول المادية، فإن ما يستطيع الفلسطينيون تقديمه فى أحسن الأحوال هو تصريحات ووعود غير ملموسة.
يدير نتنياهو الأمر ضمن توافق محلى. ويعمل على قضية تلو الأخرى ــ قبول حل الدولتين، والإصرار على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة لليهود، ورفض التجميد الكامل للاستيطان بما فى ذلك القدس، ورفض الشروط المسبقة للمفاوضات ــ ويجد موقفه صدى لدى الشعب الإسرائيلى. وليس هناك من ينكر تفويضه كى يتفاوض، سواء اليمينيون الذى أتى من بينهم، أو اليساريون الذين يسعى فى سبيل تطلعاتهم للسلام. ويتوجه نتنياهو بشروطه إلى مفاوضات كان يطالب بها منذ عشرين شهرا، بينما الرئيس الفلسطينى محمود عباس يُحال إلى هناك دون تلبية أى من شروطه المسبقة.

لم تكن القيادة الفلسطينية فى أى وقت مضى أكثر ضعفا مما هى عليه. فقد رفضت كل المنظمات الفلسطينية تقريبا المشاركة فى المحادثات المباشرة باستثناء فتح، التى كان تأييدها متراخيا. ونظر الجميع بتشكك إلى قرار قدوم عباس إلى واشنطن، حتى من قبل المؤيدين له. فى حين يحظى موقف نتنياهو بالتأييد حتى من قبل المعارضين له.
وجهات نظر الفلسطينيين معروفة جيدا. ولا يكاد يكون هناك فرق بين مواقفهم العامة والمبدئية والنهائية. ومع ذلك، لا يعرف أحد الموقف الإسرائيلى على حق. ويستطيع نتنياهو أن يبدأ من أكثر المواقف شدة، ثم يخفف منها فيما بعد، مبديا مرونة فى مقابل ما سوف يظهر على أنه عناد من الجانب الفلسطينى. ومن المرجح أن يُحبَط الفلسطينيون، والأجواء تسمَّم.
بذل المفاوضون الفلسطينيون عددا لا يحصى من الساعات حول قضايا الوضع النهائى منذ التسعينيات. والعكس هو الصحيح على الجانب الإسرائيلى.

فمن بين نتنياهو ومن قبله، لم يعالج قضايا الوضع الدائم بجدية سوى شخصية قيادية واحدة فقط، ولا يتضح الدور الذى قد يقوم به وزير الدفاع إيهود باراك. هذا التفاوت من شأنه أن يكون لصالح الفلسطينيين، إذ يتفوق ذوو الخبرة على المبتدئين. ولكنهم أيضا سوف يكونون سجناء التطلعات التى صارت مألوفة منهم، بينما سوف تكون لدى الإسرائيليين حرية فى تقديم أفكار جديدة. ورغم ذلك، سوف يواجه الفلسطينيون مهمة مثيرة للأعصاب، وهى أن يبدأوا من الصفر عملية قد قاموا بها من قبل مرة تلو الأخرى.

ولا تهدد عزلة إسرائيل المتزايدة، ولا اعتمادها بدرجة واضحة على الولايات المتحدة، قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة، فى حين أن قدرة القيادة الفلسطينية على اتخاذ القرارات ضعيفة. فمعظم القرارات الفلسطينية الأخيرة اتُخذت بالامتثال إلى المطالب الدولية، وهذا ضد رغبات القيادة الأصلية وفى تعارض واضح مع الطموحات الشعبية الفلسطينية. ورغم هذا الفارق، ليس بإمكان القادة الفلسطينيين التعويل على التأييد الدولى. فهم يشعرون بخيانة الحلفاء العرب وتخلى واشنطن عنهم. وعلى العكس، تحدت إسرائيل إدارة أوباما دون أن تتعرض الروابط الحميمة مع واشنطن إلى خطر. وينبغى على الفلسطينيين أن يحسبوا حساب وجهات نظر الدول العربية والإسلامية، فى حين تستطيع إسرائيل التفاوض بنفسها ومن أجل نفسها، دون الرجوع إلى أى طرف خارجى.

ماذا يحدث إذا فشلت المفاوضات؟ لا يمثل الوضع الراهن، وإن كان دون المستوى الأمثل، أى خطر وشيك على إسرائيل. ما يريده الإسرائيليون من أى اتفاق هو شىء تعلموا إما أن يعيشوا بدونه (اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل) أو أن يوفروه لأنفسهم (الأمن). والتهديد الديموجرافى الذى يثيره الكثيرون باعتباره مبررا للتحرك ــ احتمال إن يفوق عدد العرب اليهود قريبا، مما يضطر إسرائيل للاختيار بين أن تبقى يهودية أو أن تكون ديمقراطية ــ يعد أمرا مبالغا فيه. فقد فصلت إسرائيل نفسها عن غزة. وفى المستقبل، تستطيع التخلى من جانبها عن مناطق فى الضفة الغربية، وهذا يؤدى إلى مزيد من تقليص احتمالات وجود أغلبية عربية فى نهاية المطاف. ولأن الإسرائيليين لديهم بديل مناسب، فليس لديهم إحساس بالعجلة. والفلسطينيون على العكس من ذلك، ليس لديهم سوى خيارات محدودة وبحاجة ماسة إلى اتفاق
.
وعلى أى حال، سوف يعود عباس إلى مجتمع مقسم وصعب المراس. فإذا ما توصل إلى صفقة، سوف يسأله كثيرون باسم من قايض على حقوق الفلسطينيين. وإذا فشت المفاوضات، سوف يتهمه معظم الناس بأنه خدع مرة أخرى. وإذا عاد نتنياهو باتفاق، سوف تتم الإشادة به باعتباره قائدا تاريخيا.

وسوف يؤيده أنصاره بشدة، ولن يكون أمام اليسار خيار سوى أن يحييه. وإذا انهارت المحادثات، سوف يشكره أتباعه على ثبات موقفه، بينما منتقدوه، مع مرور الوقت، سيلقون اللوم على الفلسطينيين. وسوف تصب اللعنات على عباس إذا قام بالمهمة أو لم يقم. وسوف يعتبرون أن نتنياهو أبلى بلاء حسنا إذا قام بالمهمة أو لم يقم. إن أحدهما سوف يخسر إذا فاز، والآخر سوف يفوز حتى وإن خسر.

حسين أغا عضو مشارك بكلية سانت أنطونى بجامعة أكسفورد، وقد انشغل بالشئون الإسرائيلية الفلسطينية منذ أربعة عقود. وروبرت مالى هو مدير برنامج الشرق الأوسط فى مجموعة الأزمات الدولية، وكان مساعدا خاصا للرئيس للشئون العربية الإسرائيلية من 1998 إلى 2001.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved