إسرائيل وفلسطين: احتلال الذاكرة بعد احتلال الأرض؟

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الجمعة 14 سبتمبر 2018 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

على الرغم من مرور 70 عاما على «النكبة»، والمقارفات والفظاعات الإسرائيلية المتتالية، والسيطرة الكاملة على مساحة فلسطين التاريخية، فإن ذاكرة الفلسطينيين – المتوارثة عبر أجيالهم ــ لا تزال نابضة برسمة فلسطين التى عجزت خرائط إسرائيل الصهيونية ومستعمراتها / «مستوطناتها» عن تغيير ملامحها. ففلسطين الـ27 ألف كيلومتر مربع ما زالت ثابتة فى ذاكرة ووعى الفلسطينيين، وهم مرتبطون فكريا ووجوديا بكل شبر من هذه الأرض.
أخيرا، صدر كتاب «لمعاينة الجمهور: الفلسطينيون فى الأرشيفات العسكرية الإسرائيلية» للباحثة فى «التاريخ البصرى» الدكتورة (رونة سيلع)، وقد كشف هذا الكتاب عن طرق سلب ونهب الصهيونية لمجموعات كبيرة من صور فلسطينية قبل النكبة وبعدها، بما يؤكد أن إسرائيل تعد بقوة لاحتلال الوعى والذاكرة لدى الفلسطينيين. الكتاب يرصد الطرق التى اتبعتها الأجهزة العسكرية فى إسرائيل، وقبلها الحركة الصهيونية، لجمع وحفظ المعارف والمعلومات البصرية، والأخرى المتعلقة بالفلسطينيين، على مدى القرن العشرين الماضى، وكيفية سيطرة الأرشيفات العسكرية على هذه المعارف وإدارتها إدارة كولونيالية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعلى نحو أفدح مما مارسته قوى الاستعمار الحديث. ويبين الكتاب كيف ترتبط غالبية المعلومات والمعرفة بخصوص الفلسطينيين فى الأرشيفات العسكرية بتدابير متنوعة من الأنشطة الاستخباراتية لغايات عسكرية، وما واكبها من سلب قامت به جهات عسكرية رسمية من أرشيفات ومجموعات تتبع لمؤسسات وبيوت خاصة، وجنود وشهداء وأسرى، وحتى نسخ المعلومات سرا وجمع المعلومات المتعلقة بالفلسطينيين وبلداتهم لغايات السيطرة والاحتلال.
الدولة الصهيونية وإن كانت «ناجحة» فى عملها فى الحيز الجغرافى عبر السيطرة على الأرض وبناء المستعمرات / «المستوطنات»، إلا أنها لا تنجح فى حيزى الوعى والذاكرة، وهى السياسة التى بدأتها منذ قيامها عبر محاولات غسل الدماغ ليغير معها الفلسطينى أفكاره أو مدركاته فى موضوع ما من الإيجاب إلى السلب أو من السلب إلى الإيجاب، وعبر تشكيل قناعات وسياسات جديدة تنحرف عن الهدف الأصلى وتقزمه وصولا إلى قناعات متفقة أو غير متعارضة مع شروط إسرائيل، أو ضمن سقف تقبل به.
لقد راهنت الدولة الصهيونية على تآكل الذاكرة الفلسطينية وتلاشيها، لكن «الذاكرة ليست الماضى»، بل هى الوعى بالتاريخ والجذور والهوية، وإدراك الخصوصية، وهى أيضا الوعى بالذات بما يتصل بالواقع وينفتح على المستقبل. ومهما كانت قوة الدولة الصهيونية كقوة احتلال تجهد لخلق وقائع جديدة على الأرض عبر خطط وقوانين عنصرية، فإن الوقائع والأحداث تثبت فشلها فى احتلال الوعى الفلسطينى، وأن كل محاولات هذه «الدولة» المستمرة فى طمس الهوية الفلسطينية وسرقة الأملاك والحقوق والثروات لم تنجح حتى اللحظة. فما يزال هناك شيوخ يتذكرون، وأطفال ورثوا عن أجدادهم تلك الذاكرة الحامية للوعى الفلسطينى. وفى هذا السياق، تأتى أهمية كتاب (سيلع) فى توثيقه الذاكرة الفلسطينية ليس لمجرد حفظها بل أيضا فى سياق الصراع الوجودى مع الدولة الصهيونية، وقدرة الرد على الرواية الصهيونية المزعومة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، عبر تسجيل كل أشكال وأنماط ومظاهر الحياة الفلسطينية الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية. وانطلاقا من هذا، وبالعمل النضالى الثقافى، ستنجح الذاكرة الفلسطينية لا محالة فى مواجهة كل المحاولات الإسرائيلية/ الصهيونية الهادفة إلى القضاء عليها أو تزييفها.

أسعد عبدالرحمن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved