الشهور الحاسمة

محمد زكي الشيمي
محمد زكي الشيمي

آخر تحديث: الثلاثاء 15 أبريل 2014 - 6:15 م بتوقيت القاهرة

لا يزال المشهد السياسي في القاهرة يكتنفه غموض شديد، رغم أن الأسابيع الماضية شهدت اختفاء السؤال حول ترشح السيسي من عدمه الذي ظل السؤال الأساسي لشهور.

في الحقيقة إذن أن ترشح السيسي جعل نتيجة الانتخابات الرئاسية محسومة إلى حد بعيد، ففي ظل غياب أي مرشحين آخرين من كبار الخبرات الإدارية بالدولة كان من الممكن أن يفتتوا أصوات كتلة تيار الدولة، وفي ظل ضعف التيار الثوري المنافس ودعاوى المقاطعة وغياب الإخوان، فإن المعركة تبدو معركة على نسب التصويت لكل مرشح بأكثر منها معركة على نتيجة.

لكن هذا ليس نهاية المشهد الضبابي بل بداية مرحلة أخرى منه، ذلك أن المُشاهد للوضع السياسي سيُصدم بحقيقة مفادها أن الدستور جعل تشكيل الحكومة من مهمة الحزب أو مجموعة الأحزاب الحاصلة على الأغلبية البرلمانية، صحيح أنه أعطى سلطات وصلاحيات متوازنة للرئيس وللبرلمان وللحكومة، لكنه في النهاية يجعل كل الوزارات رهنا بالانتخابات البرلمانية (عدا الوزارات السيادية الأربع).

إذن فإن من سيضع السياسات الحقيقية لإدارة مصر سيكون هو الحزب أو الأحزاب الفائزة، والتي ستشكل بالتالي الظهير السياسي للرئيس.

ولكن حقيقة أخرى تبقى قائمة هي أن طبيعة النظام البرلماني لم تُحدد بعد، ولا يزال التردد قائما بين نظام قائمة قد يسمح للإخوان بالعودة، وكذلك للأحزاب الأخرى، أو نظام فردي يصعّب الموقف على الإخوان، ولكنه يصعّبه أيضا على الأحزاب المدنية، أو خليط من الاثنين، وربما لهذا السبب تأجّل التحديد لما بعد انتخابات الرئاسة، مما يعني أنه لا تزال قواعد المعادلة السياسية غامضة تماما.

وحقيقة ثالثة، أن واحدا من أكثر الأحزاب السياسية براجماتية وتواجدا في الشارع الآن بعد تآكل شعبية الإخوان سياسيا هو حزب النور السلفي.

وحقيقة رابعة، أن الأحزاب السياسية المصرية لا تزال ضعيفة التأثير إلى حد كبير وقليلة الكوادر ولا تزال هناك شكوك واسعة حول قدرتها التنظيمية وإمكانية ملئها الفراغ.

في ضوء هذه الحقائق الأربع إذن ستتم هندسة النظام السياسي الجديد، وربما أسهمت انتخابات النقابات في إظهار حقيقة أن فوز القوى المدنية وارد وسهل في الظرف الحالي.

ولكن السؤال هل يغامر الرئيس إذن بانتظار نتيجة الانتخابات البرلمانية؟ إنه من المفهوم ضمنا طالما أن السيسي قد ترشح أن هناك تصميما على نجاح تجربة السيسي، مما يعني أنه لا يمكن أن تُترك مسألة أغلبية برلمانية ستدير البلد طوال المدة الرئاسية للصدفة أو لاتفاقات اللحظات الأخيرة، خصوصا أن الناس سيحملون الإخفاقات إذا حدثت للرئيس، وهذا يجعلنا نفكر في الاحتمالات الممكنة لهندسة هذا النظام الجديد، والتي ستدور نظريا حول احتمالات أربعة:

1- الاحتمال الديمقراطي: أن الرئيس سيسعى فور توليه السلطة إلى التأكيد على حياده، وسيكتفي بعقد تحالفات مع بعض الأحزاب لدعمها سياسيا بشعبيته بشكل غير مباشر، لتدعمه هي سياسيا بدورها بعد وصولها لمقاعد البرلمان، بحيث تشكل الظهير البرلماني له، وهو احتمال يعيبه فقط أنه يحمل انحيازا أيديولوجيا حاول السيسي طويلا أن يبتعد عنه ليضمن الكتل المؤيدة له في كل التيارات.

2- احتمال الرئيس الذي سيرأس الحزب الحاكم: وفيه سيدعو الرئيس علنا بعد انتخابه لتأسيس حزب يقوده بعض المشاركين البارزين في حملته، ليستفيد بشكل مباشر من شعبيته ودون أي وسطاء، وهو ما سيفتح الباب لتجربة جديدة تحمل قدرا من التكرار لفلسفة الحزب الواحد بشكل أو بآخر.

3- احتمال التحالف مع الرجعية: وهو ما يروج البعض له كسيناريو يتحالف فيه الرئيس مع حزب النور.

4- الاحتمال الدكتاتوري: تزوير الانتخابات لمنع وصول أي مرشح غير مرغوب فيه.

وواقع الأمر أن الاختيارين الأول والثاني هما الأرجح على الإطلاق، مع وجود احتمال للجوء للاختيار الثالث إذا دعت الضرورة، بينما يبدو الرابع بعيدا جدا وغير واقعي لأسباب عديدة داخلية وخارجية مرتبطة باستقرار النظام، لذا يصعب تنفيذه رغم أنه يتكرر كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي.

ويبقي الاحتمال الأول هو الأفضل للجميع، بما في ذلك الأفضل لصورة النظام السياسي نفسه ككل.

على أي حال إذن فالشهور القادمة هي التي ينبغي أن تكثف فيها كل الأحزاب جهودها في اتجاهين: الأول بناء قاعدة شعبية معقولة، والثاني الحصول على جزء من القوة يمنع التعامل معها كقوة هامشية.

وهنا يأتي السؤال لماذا لم تشارك الأحزاب إذن لدعم تواجدها بمرشحين في الانتخابات الرئاسية؟ رغم أن هذا كان مطلوبا ولو لزيادة مصداقية الانتخابات، أو حتى ولو من باب التعريف بمرشحيها، أو لإثبات وجود كتلة مؤيدة معها تمكنها من ترجيح فكرة الاختيار الأول الذي تحدثنا عنه، أم إنها خشت من أن تكون النتيجة مؤلمة للغاية بحيث يكون أثرها على الحزب أكثر سلبية من قرارها المشاركة، ويتم تدمير فرصها في البرلمان؟

الإجابة غامضة، ولكن اطمئنان هذه الأحزاب ربما لا يمكن تفسيره إلا بأنه اطمئنان، لأن معادلة 3 يوليو لا تزال قائمة، وأنها وُلدت لتبقى كأساس للنظام السياسي ككل، وهي المعادلة التي بنيت على رجل قوي من جهة وعلى سياسيين في جبهة الإنقاذ اختاروا لاحقا (عبر اختياراتهم) أعضاء اللجنة التي وضعت الدستور، أي أنهم واثقون أنه لا توجد نية لصناعة حزب للرئيس القادم، وأنهم سيشاركون بذات المعادلة القائمة، رغم ما أصاب هذا التحالف منذ 14 أغسطس وصولا لاستقالة حكومة الببلاوي.

فهل ستصدق هذه التوقعات أم أن الأمور ستتخذ منحي آخر؟ هذا ما سيظهر في الشهور القليلة القادمة التي ستكون حاسمة في شكل مصر لسنوات طويلة قادمة، ولكن هناك مسؤولية هائلة ملقاة على الأحزاب الآن، لأن حراسة التجربة الديمقراطية أصبحت بالفعل رهنا بهم بشكل أساسي، وفي غياب الصوت العالي، وذلك للمرة الأولي منذ أكثر من ثلاث سنوات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved