أم الكوارث فى معركة السد

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 15 نوفمبر 2017 - 9:25 م بتوقيت القاهرة

للأسف الشديد يمكن القول إن الأسوأ فى كارثة سد النهضة الإثيوبى لم يأت بعد لكنه آت لا محالة. فالكارثة الكبرى فى إصرار الإثيوبيين على بناء السد دون أى اعتبار للموقف المصرى، هى أن إثيوبيا وربما معها باقى دول منابع النيل، قد اختبرت صلابة السلطة المصرية ومدى استعدادها للدفاع عن الحقوق المصرية فى مياه النهر الخالد. 
فالإثيوبيون لم يروا من السلطة المصرية على مدى السنوات الأربع الماضية ما يجعلهم يترددون فى انتهاك الحقوق المصرية وتعريض الأمن القومى المصرى لأخطر تهديد على مدى تاريخه، وإنما رأوا ما اعتبروه لينا فى التعامل مع هذا الملف، فما كان منهم إلا مواصلة البناء والاستعداد لبدء تشغيل المرحلة الأولى من السد، فى الوقت الذى اكتفى فيه المسئولون المصريون بالتقاط الصور أثناء توقيع «اتفاق المبادئ» أو إلقاء الكلمات الجميلة عن أواصر الأخوة والعلاقات التاريخية بين الشعوب أمام «البرلمان الإثيوبى» وخارجه.
وكما قلنا من قبل، فإن وزارة الدفاع البريطانية حذرت رئاسة حكومتها بعد تأميم مصر لقناة السويس عام 1956 من الإقدام على وقف تدفق مياه النيل عبر سد أوين إلا إذا كانت مستعدة للدخول فى حرب صريحة مع مصر التى «سترسل طائراتها القاذفة عبر السودان لقصف السد.. نظرا لأنه من المرجح أن تعتبر مصر فرض قيود أو حتى التهديد بفرض قيود عملا عدائيا، فإنه يمكن استخدامه فقط لو كنا مستعدين للذهاب إلى حرب معها أو لو أننا فى حالة حرب فعلا معها» بحسب الوثائق السرية البريطانية التى تم الكشف عنها أخيرا.
هكذا كان العالم يخشى رد الفعل المصرى على أى عبث بمياه النيل، وهكذا كانت الإمبراطورية البريطانية تدرك أن السلطة فى مصر مستعدة للدخول فى حرب صريحة معها لمجرد «التهديد بفرض قيود» على تدفق مياه النيل. 
كانت بريطانيا العظمى تخشى رد فعل مصر التى لم تكن قد تحررت من الاحتلال البريطانى إلا قبل عامين ولم تكن قد كونت «جيشها الوطنى القوى» بحسب مبادئ ثورة 23 يوليو 1952، لتأتى إثيوبيا بعد 61 عاما فتقرر إقامة سدها العملاق الذى سيتحكم فى الجزء الأكبر من مياه النهر، دون أن يساورها أى قلق من رد الفعل المصرى، لأن السلطة المصرية منذ البداية رفعت شعار «التفاوض ولا شىء غير التفاوض» ولم تلوح بأى خيارات أخرى تجبر الجانب الإثيوبى على التجاوب مع الحقوق المصرية، مع أن الواجب كان يقتضى رفع شعار «كل الخيارات متاحة للدفاع عن الأمن القومى لمصر وحقوقها التاريخية فى مياه النيل» وصولا إلى تسوية أزمة السد، وهو ما لم يرد على لسان مسئول مصرى فى أى مرحلة من مراحل الأزمة. 
وبسبب هذا الفشل الذى يصل إلى حد الخطيئة فى إدارة ملف السد على كل المستويات، وصلنا إلى النقطة التى تلاشت فيها مساحة الحركة أمام الجانب المصرى، بعد أن ضيعنا الوقت والجهد فى التقاط الصور التذكارية والزيارات الدعائية التى لم تحقق أى شىء.
أخيرا، فإن أم الكوارث فى معركة سد النهضة، هى أنه لن يكون آخر السدود على النيل سواء فى إثيوبيا أو فى غيرها من دول المنابع، بعد أن بدت مصر طوال مراحل الأزمة فى موقف غير المستعد للدفاع عن حقوقها المائية بكل الوسائل التى يكفلها لها القانون الدولى والحق الطبيعى والتاريخى فى مياه النهر الخالد، التى هى بالتأكيد سر الحياة على أرض مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved