الإيدز: وقائع موت معلن فى بولاق الدكرور

ليلى إبراهيم شلبي
ليلى إبراهيم شلبي

آخر تحديث: الجمعة 15 ديسمبر 2017 - 9:45 م بتوقيت القاهرة

ينتابنى شعور ملح بالقلق والتردد قبل كتابة أى موضوع قد يلقى بظلال كئيبة على القارئ.. أرجئ الكتابة وابدأ بالبحث عن موضوع آخر يحقق أمنيتى بالصحة والسعادة لمن يقرأ كلماتى.

لكن هناك موضوعات لا يمكن ارجاؤها ويستحيل التغاضى عنها، كذلك الذى أعرض إليه اليوم تداولت وسائل التواصل الاجتماعى يوم الثلاثاء ١٢ ديسمبر خبرا روعنى ومازال يدق وجدانى بعنف لما له من دلالات تنذر بخطر قادم.

«انتحار مصابة بالايدز بعد جلسة عرفية لطردها من منزلها فى بولاق الدكرور»، ضم الخبر معلومات تؤكد حدوتة منها عنوان السيدة التى ألقت بهمومها وهمها ولحقت بهم من شرفة شقتها الصغيرة بالدور الخامس فى شارع النصر ببولاق الدكرور.. انفجرت أحشاؤها وسال دمها على أسفلت الشارع قربانا لمجتمع صخرى القلب جاهل انحسرت فيه الرحمة وغابت قيم شهامة أولاد البلد عله يرضى ويهدأ بالا.

المسكينة ذات الأربع والعشرين عاما انتقل إليها مرض نقص المناعة أو الايدز من زوج مدمن يتلقى المخدرات مباشرة فى شرايينه منها ما كان ملوثا بالفيروس فتمكن منها.. غابت تفاصيل كثيرة من القصة لكن ما بقى منا يشير إلى أنه تم تشخيصها فعلمت بالأمر وقررت كتمانه هى وزوجها حتى اكتشفه جار لهما فأذاعه واجتمع الجمع فيها يسمونه مجلسا عرفيا وقرروا بعد محاكمة الزوج طرد الأسرة من مسكنها خوفا من انتشار المرض.. حينما عاد الزوج مخذولا لزوجته لم تحتمل وانطلقت فى لحظة جنون مرة إلى الشرفة لتلقى بنفسها هربا من مصير جائر ليس بمقدورها احتماله.

أدمتنى تلك القسوة المرة غير المبررة التى لجأ إليها جيرانها وروعنى أن الناس تلجأ الآن لتلك المجالس العرفية لاستصدار الأحكام ومعاقبة من يرونه مجرما ما دون أدلة أو اتهام حقيقى.

روعنى قدر الجهل المسيطر على عقول قضاة هذا الزمان.. الايدز مرض يمكن السيطرة عليه وليس هناك أى وسيلة لانتشاره إلا العلاقة الحميمية أو الحقن الملوثة بالفيروس هو فقط ينتقل من الأم للمولود وارتبط الكشف عنه فى البداية بالعلاقة المثلية.

لا ينتشر بالوسائل التقليدية لانتشار العدوى مثل الرذاذ أو المصافحة بالأيدى أو استعمال أدوات الغير ولا ينتقل نتيجة للزحام أو الملامسة العادية ويمكن للإنسان المريض الحياة آمنا بين الآخرين إذا ما بدأ العلاج الذى يؤجل ظهور الأعراض ويحفظ تجاه إصابته بالعدوى من أى ميكروب نظرا لضعف مناعته.

أرى تلك الحادثة نصلا حادا انغرس فى ضمير الأمة مثيرا عددا من القضايا التى لا تقل أهمية عن قضية الأمن القومى.
> قضية قانون الشارع الذى يتجاهل تماما قانون الدولة ولماذا يمتثل إليه المواطن المصرى الآن ويلجأ إليه.

* قضية الجهل بقواعد الصحة العامة وأساسيات الوقاية من أمراض خطيرة فى تداعياتها وطرق الوقاية منها مثل الايدز والسرطان والحمى الروماتيزمية والسل.

> قضية الرعاية الصحية الأساسية مع وجود أمراض خطيرة لا نعلن عنها ولا نملك وسائل لتشخيصها إلا ربما فى العاصمة ولا علم لنا بخريطة وجودها فى أى محافظات أخرى رغم تأكدنا من وجودها.

خطابى موجه مباشرة اليوم إلى سفيرة النوايا الحسنة الفنانة يسرا التى تألقت وأجادت الحديث عن مهمتها فى التوعية بمرض الايدز والتى فيما يبدو انتهت بمجرد ما انتهت جلسات التصوير وأضواء الفلاشات.

خطابى موجه مباشرة اليوم لوزير الصحة ووزيرة التضامن الاجتماعى وكلنا يعلم أن مكاتبهم تضم مواطنين على درجة عالية من الأهمية يقرأون ما يكتب يوميا فى الصحف أو ينشر فى الإعلام التافه منه والجاد.
أرانى قد توقفت عن البحث عن قائل البيت الشهير.

ناديت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى لم يعد أبدا يهمنى قائله فهو لسان حالنا جميعا فإلى «الحى القيوم» أتوجه اليوم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved