لسنا رهائن

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الجمعة 16 يناير 2015 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

يريدوننا رهائن لكراهية الحياة وكراهية الآخر..

يريدوننا رهائن للتبرير الفاسد للتطرف وللعنف.. يريدوننا رهائن للمقابلات المجردة من القيم الإنسانية بين موتانا وموتاهم، بين ضحايانا وضحاياهم.

وكأن دماء البشر مادة للتصنيف، وكأن الهويات الدينية والمذهبية والعرقية والجغرافية تضفى «شرعية أخلاقية» على الانتقام لهؤلاء بذبح أولئك.

يريدوننا رهائن للأرقام والأماكن والتواريخ، لكى ندين القتل الكثير هنا ونصمت عن القليل منه هناك، ولكى نرى فى «الحسابات الختامية» غير المتوازنة دليل «تآمر» نواجهه ومظالم يفرضها الآخر علينا ودليل «حق أصيل» لنا فى الثأر والانتقام.. وليكن الثأر والانتقام من الآخر عبر نزع إنسانيته، ثم إلغاء حقه فى الحياة والحرية والوجود الآمن، ثم قتل من تطوله «الأيادى» منهم.

يريدوننا رهائن لاعتياد مشاهد الدماء والأشلاء والأحزان التى يقذفها باتجاهنا الإجرام الإرهابى، ثم لاستساغتها إما لأن أعداد موتانا وضحايانا أكبر أو لأن القتل هو «الاستجابة الوحيدة الممكنة» للظلم والتهميش والاستبعاد واليأس..

وكأن أمام المظلوم والمهمش والمستبعد واليائس مسارات أحادية للخروج من مآزقهم وتغيير أوضاعهم، تفجير القنابل وإطلاق الرصاص.. يريدوننا رهائن لتغييب العقل والخلط بين المقاومة العادلة للظلم والتهميش وللانتهاكات هنا وهناك بسلمية وبتعويل على القيم الإنسانية وعالمية الحقوق والحريات وسيادة القانون والتسامح وقبول الآخر والتضامن وبين التبرير الفاسد للتطرف وللعنف وللإرهاب والترويج لها كفرصتنا الأخيرة..

يريدوننا رهائن لتغييب إضافى للعقل يتجه «لنا» وليس «للآخر»، جوهره إلغاء الحواجز الأخلاقية والإنسانية والفكرية والمجتمعية بين المقاومة العادلة والسلمية للسلطوية وللخروج على الديمقراطية وللمظالم ولانتهاكات الحقوق والحريات والبحث عن سبل التأسيس للعدل والتنمية والتقدم وبين تبرير الإرهاب والتورط فى العنف والترويج لسلطوية بديلة ليس لها سوى أن تنتهك أيضا الحقوق والحريات..

دعونا نفكك مقولاتهم ونتجاوز القيود التى يخضعون عقولنا وضمائرنا لها ونرفض الصمت عن كراهيتهم للحياة وللإنسانية، تماما كما نرفض الصمت عن الكراهية المضادة التى تنشرها الحركات العنصرية والمجموعات المتطرفة فى الغرب..

دعونا نواجه مبرراتهم ومقابلاتهم وحسابات الأرقام والأماكن والتواريخ وحديثهم عن دلائل التآمر وضرورات الثأر والانتقام واستساغتهم العلنية أو الصامتة للقتل ولمشاهد الدماء، دعونا نواجه كل ذلك بانتصار قاطع ودون مشروطيات للقيم الإنسانية وتضامن مع حق الجميع فى الحياة والحرية والوجود والاختلاف..

دعونا نستصرخ العقل الذى يريدون تغييبه هنا وهناك، فانتماؤنا الأشمل هو لإنسانية تعترف بعالمية الحقوق والحريات، وتعلمت جماعيا أن تمزج بين إدانة المظالم والانتهاكات والسلطوية والاستبداد وبين إدانة التطرف والعنف والإرهاب.. تعلمت ذلك بالفعل دون أن تتخلص من نواقص كثيرة من استخفاف الأقوياء بالمظالم التى يتعرض لها الضعفاء والفقراء، إلى امتناعهم عن محاسبة إسرائيل على إرهاب الدولة الممتد عبر عقود، إلى تجاهلهم للسلطوية حين تتصاعد أهمية العلاقات الاقتصادية والمالية والاستراتيجية، إلى استمرار معاييرهم المزدوجة فى التعاطى مع الانتهاكات فى بلاد العرب فتدان أو لا تدان وفقا لحسابات المصالح، إلى امتناعهم عن محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية على التاريخ الطويل من الحروب والأسلحة المحرمة دوليا والانتهاكات..

على نواقصها الكثيرة، دعونا نراهن على الإنسانية ونرفض الارتهان لكارهيها وكارهى الحياة..

غدا.. هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved