حفل الاستقبال

عبد العظيم حماد
عبد العظيم حماد

آخر تحديث: الإثنين 16 فبراير 2009 - 1:33 م بتوقيت القاهرة

 بعيدا عن الشعور بالرضا عن الذات، وهو مالا ندعيه، ولا نستطيعه، فإن حفل الاستقبال الشعبي الذي أقيم لصحيفتنا «الشروق الجديد» في أول أسبوع لصدورها، يستحق منا وقفة تأمل واستيعاب لمعاينة ودروسه، مثلما يستحق منان نشكر كل من شاركوا في هذا الحفل، وبجميع وسائل التعبير،وأولى الناس بهذا الشكر هم بالطبع من نطلق عليه وصف القراء العاديون الذين هم الهدف، والحكم معا.

الزملاء الصحفيون والإعلاميون، والمفكرون والساسة، وغيرهم من كتب أو بعث برسائل أو برقيات، أو أتصل هاتفيا يستحيل علينا حصرهم، وذكرهم أو نشر بعض ما قالوه، وتعنى أستأذنهم في نشر عبارتين مختلفتين للجميع، الأولى جاءت لسان المخرج السينمائي المتميز يسرى نصر الله لزميلي هاني شكر الله، وهى »هذه حقا صحيفة، وليست حالة نفسية»، والثانية من صديق وأستاذي كمال السعيد أحد كمبار مثقفي مصر ومهذبيها، والرئيس الأسبق لمركز الأهرام للترجمة والنشر، وقال فيها: «في زمان ينشو فيه التهافت، تمكنتم من إصدار جريدة محترمة».. وأكتفي من برقية الأستاذ كمال السيد بهذه الكلمات، لأن ألفاظ ومضمون بقية البرقية تحتوى على ثناء أكبر مما نظن أننا نستحق بكثير.

ليس معنى ذلك أننا لم نتلق انتقادات، بل العكس هو الصحيح، وإن كانت أقرب إلى النصائح، بهدف تشجيعنا، ومساعدتنا على بلوغ الكمال الذي نعلم أن بلوغه مستحيل، لكن الأهم أن هذه النصائح أو الانتقادات لمن يريد أن يسميها كذلك ــ أو النصائح جاءت من منطلق المحبة والمشاركة والتفاعل.. والفرح.

كثيرون أيضا بعثوا يطلبون المشاركة معنا في فريق العمل، وأكثرهم كما هو متوقع من الشباب، وكثيرون بعثوا يأملون في إمكانية نشر مقالات، ودراسات وآراء، لكن الشعور والفهم واللذين استقبلنا بهما هذه الرسائل هو أنها أولا اهتمام وتفاؤل كبيرين بصدور «الشروق الجديد» وتفهما في الوقت نفسه تبنى أبوجود طاقات هائلة معطلة في مجتمعنا، طاقات تريد فرصة عمل، وأخرى تريد فرصة تعبير، وكلها تتوقع من الشروق أن تكون منبرا ووسيلة لهذا وذاك لكنها تبث من ناحية أخرى أن ما قيل عن تشبع السوق المصرية بالصحف والقنوات والبرامج، ليس حقيقيا، وربما كان مغرضا،و لاشك أن بغضه كان بدافع الإشفاق علينا، وإذن فإن لنا كما قلنا في المقال السابق مكان وسط هذه السوق نأمل أن يتحول إلى مكانه في القريب العاجل.

من دروس حفل الاستقبال الشعبي الذي أقيم لـ «الشروق الجديد» أيضا أن رسالتنا وصلت إلى جمهور القراء على الفور، بل أن هذه الرسالة التقطت بسرعة مع صدور أول عدد، فقد قيل لنا مباشرة من القراء العاديين ما يتطابق في المعنى، وإن يكن في الألفاظ، مع توصيف المخرج يسرى نصر الله.. هذه صحيفة،و ليست حالة نفسية، قال بعضهم مثلا: أخيرا جريدة مستقلة غير صاخبة، وقال آخرون على سبيل المثال أيضا هذه جريدة مستقلة عن الحكومة حقا، ولست مستقلة عن الدولة والوطن، فالدولة والوطن ملك لنا جميعا، والحكومة ليست هي الدولة.

كان معنى الاستقلال عن الحكومة، دون الوطني، هو ما قصدناه من القول أننا لن نكون جزءا من ظاهرة الاستقطاب السياسي الحاد الذي يسيطر على الحياة السياسية، وتعبيراتها الإعلامية في مصر، وفى الإقليم منذ عدة سنوات، ولكننا مع الجميع، وللجميع بمعايير مهنية بحق، على أساس الانتماء الوطني والقومي، والحضاري والديمقراطي، وبالتالي فإذا كنا مستقلين عن الحكومة، فإننا أيضا مستقلون عن المعارضة، وسائر التيارات، والانحيازات إلا للحقيقة والرأي العام.. ليس لمجاراته دائما، ولكن أيضا لإعلامه بالحقيقة حتى إذا كانت لا ترضيه.
هل يعنى ذلك أن هذه الالتزامات فضفاضة، حيث تسهل علينا التهرب من اتخاذ مواقف محددة؟

إن من أصدروا هذه الجريدة، ومن يقومون على تحريرها وبينهم كاتب هذه السطور، لم يأتوا من المجهول، أو من خارج الوسط، وأغلبهم معروف المواقف، والاتجاهات، والخبرات، وتجمعهم كلهم مظلة واحدة هي كما سبق القول توا الانتماء الوطني والقومي والحضاري، والالتزام الديمقراطي والمهني، ولهم بعد ذلك أن يتخذوا ما شاؤا من مواقف، ولا يلزمهم إلا احترام القانون والدستور.

رسالة أخرى التقطها جمهور القراء، كما ظهر من رسائلهم، وهى أن «الشروق الجديد» حرصت في التخطيط لإصدارها أن تكون نافذة يطل منها هؤلاء القراء خارج الحدود، ليس فقط بمعنى متابعة الأحداث، ولكن ما وراء هذه الأحداث من تيارات، وأفكار سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية،و ليس في منطقتنا العربية فحسب، ولا في أوروبا وأمريكا إضافة إلى المنطقة العربية، كما جرت العادة، ولكن أيضا في آسيا من اليابان والصين والهند وباكستان، الخ، وفى أمريكا اللاتينية.. وغيرها من أقاليم العالم، خاصة قارتنا الأفريقية.

بعد ذلك كله.. ما هي الانتقادات أو الفضائح التي تلقيناها من زملائنا، وكبار كتابنا، ومفكرينا، ومن جمهور القراء؟

كان الجميع مشفقين عن تحد حقيقي فرض علينا، وهو البحث عن صيغة عملية جذابة، للجمع بين الاهتمامات الشعبية والفئوية في حياة المصريين، أو ما يسمى بالتلامس اليومي مع حياة الناس، وبين القضايا الأكبر من الاهتمامات اليومية في جميع المجالات، وتلك الأوسع من حدود القرية والمدينة والدولة، ونحن ندرك أن مواجهة هذا التحدي لا تأتى بوصفات جاهزة، أو نظريات معلبة، ولكن هذه المواجهة هي عمل كل ساعة.. وتحدى كل يوم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved