حكومة محلب.. و«بصمة» مبارك

محمد عصمت
محمد عصمت

آخر تحديث: الأربعاء 16 أبريل 2014 - 7:45 ص بتوقيت القاهرة

الانطباع العام عن وزارة المهندس ابراهيم محلب أنها حكومة جادة مخلصة، لكنها كذلك بلا «طعم سياسى» واضح، تبدو حائرة بين «اتجاهها» للعمل بقوانين السوق بما يتطلبه ذلك من اتخاذ قرارات غير جماهيرية بتحرير الأسعار، والاستمرار فى دعم القطاع الخاص، وإرضاء صندوق النقد الدولى، وبين «كلامها» عن اتخاذ سياسات مغايرة لتحقيق العدالة الاجتماعية، الذى يوجب عليها التدخل فى ميكانيزمات السوق لكبح ارتفاعات الأسعار،وتوفير حياة آدمية لملايين الفقراء ومحدودى الدخل.

منذ تشكيل هذه الحكومة منذ أكثر من شهرين، وهى ترسل إلينا إشارات متضاربة حول توجهاتها، ففى حين يعلن وزير التخطيط خلال زيارته الحالية لواشنطن لحضور اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولى أن الحكومة بصدد رفع أسعار الكهرباء والبنزين ــ بالحجة المعتادة وهى تقديم الدعم لمستحقيه ــ فإنها تتجاهل تماما فرض تسعيرة إجبارية على السلع الاستهلاكية الضرورية، وإعادة توزيع الدخل القومى على أسس عادلة، وحينما تتكلم الحكومة عن حتمية بيعها للسلع والخدمات فى مصر بالأسعار العالمية، فإنها تصمت تماما أمام المطالب التى تنادى بإعطاء المصريين ــ فى المقابل ــ أجورا عالمية!

نفس الحكومة المفروض أنها تعبر عن ثورة يناير، تصرفت وكأنها إحدى حكومات مبارك البائسة، بفتحها الباب أمام استيراد الفحم لحل أزمة الوقود، رغم أنها تعرف جيدا مصائبه السوداء التى تهدد ملايين المصريين بالإصابة بالسرطان وتلويث الهواء ومياه النيل، وكأنها لا تدرك أن مسئوليتها الكبرى هى توفير الحياة الكريمة الآمنة لمواطنيها.

وحتى عندما أصدرت الحكومة قرارا يوم الأسبوع الماضى، بتوقيع عقوبات قانون جرائم الإرهاب على كل من يشترك فى نشاطات جماعة الإخوان، وبينها عقوبات بالإعدام والسجن تنتظر المئات من قيادات وكوادر الجماعة، فقد بدت وكأنها حكومة عرجاء وهى تتجاهل، على طول الخط، عودة ضباط الداخلية للعنف خارج الاقسام وداخلها، والذى وصل لدرجة القتل كما حدث فى اشتباكات جامعة القاهرة أمس الأول وأسفرت عن مقتل طالب واصابة ثلاثة مراسلين، وكما حدث فى قسم إمبابة قبل ثلاثة أيام، حينما أطلق امين شرطة 3 رصاصات على أحد المواطنين خلال مشادة كلامية بينهما، بالإضافة لعودة الكثير من ضباط الداخلية لنفس الجليطة الفارغة التى يتعاملون بها من المواطنين وخاصة الفقراء والغلابة منهم، دون أن تبالى الحكومة بالمطالب التى تنادى بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، وتغيير فلسفتها الأمنية، وضرورة التزامها باحترام حقوق الانسان وكرامته، وأن تكون الشرطة فى خدمة الشعب قولا وفعلا، لا أن ترفع شعارات جوفاء لا يصدقها أحد!

بمثل هذه الممارسات تحفر أى حكومة فى الدنيا قبرها بيدها، وفى بلد فى حالة مصر فإن هذه السياسات ربما تفجر الأوضاع الأمنية رأسا على عقب، وتعيد البلد لحالة من الفوضى لن يستطيح أحد أن يتحمل فاتورتها، ولا حتى السيسى نفسه!

حكومة محلب لن تستطيع الاستمرار ــ لا النجاح ــ بمثل هذه «اللخبطة» فى خطها السياسى، عليها أن تحسم اختياراتها وفق فلسفة واضحة شفافة، أن تصارح الناس بكل الحقائق، وأن تكشف لهم خططها وتوجهاتها الاقتصادية بمنتهى الوضوح، فلا أحد فى مصر يمكنه أن يتحمل أنصاف الحلول، ولا أحد فى مصر يمكنه أن يرى بقايا روح مبارك وهى تتلبس حكومة محلب، وتفرض عليها بصمتها، وكأن مبارك ــ بعد قليل من التعديلات ــ يرأس وزارة مصر من وراء الستار!

على محلب أن يحسم أمره، إما أن يكون رئيسا لحكومة تحارب سياسات النظام القديم، أو أن تكون وزارته مجرد «دوبلير» لإحدى حكومات مبارك تتقمص شخصيته وتنفذ سياساته.. بانتظار مصيرها المحتوم!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved