مرة أخرى.. إنها الثورة المضادة الداخلية والإقليمية

ضياء رشوان
ضياء رشوان

آخر تحديث: الإثنين 16 مايو 2011 - 8:34 ص بتوقيت القاهرة

بعد أسبوع واحد من اندلاع أحداث إمبابة الطائفية والتى أوقعت نحو خمسة عشر قتيلا و250 جريحا فوجئ المصريون بمحاولة جديدة وخطيرة لإشعال الملف الدينى والطائفى المصرى مرة جديدة بصورة بدت أكثر خطورة، حيث قامت مجموعات لا تزال هويتها حتى كتابة هذه السطور مجهولة، بالهجوم بقنابل المولوتوف الحارقة وإطلاق الرصاص العشوائى على الاعتصام الذى ينظمه بعض الأقباط أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون منذ وقوع أحداث إمبابة.

وبدون استباق لنتائج التحقيق الأمنى التى ستقوم بها الجهات المختصة، فإن الهجوم الجديد المفاجئ يعطى مؤشرات تجعل منه تهديدا حقيقيا وخطيرا للأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية فى مصر فى هذا التوقيت الحرج شديد الحساسية. فمن ناحية يبدو من توقيت الهجوم الذى وقع فى ساعة متأخرة من ليل السبت الماضى أنه لم يكن عشوائيا ولا تلقائيا، حيث إن المنطقة التى يعتصم بها الأقباط لا توجد بها كثافة سكانية تسمح بمثل ذلك التجمع المهاجم لهم فضلا عن أن التوقيت المتأخر لا يعطى أى انطباع بأن المهاجمين قد تجمعوا فجأة وبدون تدبير مسبق بفعل غضب أو استفزاز، فهو هجوم على الأرجح مدبر ومنظم من جهات محددة. من ناحية ثانية فإن مكان الهجوم أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون الذى لا تزال بعض قوات الجيش تتكفل بحراسته وعلى بعد أمتار من مبنى وزارة الخارجية ومئات الأمتار من ميدان التحرير ومقر جامعة الدول العربية ونحو كيلومتر من وزارة الداخلية ومقر جهاز الأمن الوطنى والمحاط بعدد من الفنادق والمنشآت السياحية الكبيرة، يوضح أن مرتكبيه حريصون على أن تصل أخباره إلى أنحاء البلاد والعالم كله من ذلك المكان الحساس الواقع تحت أضواء الإعلام الأمر الذى جعلهم لا يأبهون بالصعوبة الأمنية فى تنفيذ هجومهم بهذا المكان.

•••

أما على الصعيد السياسى والأمنى فإن الهجوم الذى يبدو مدبرا أتى بعد تطورين مهمين ليأخذ شكل الرد عليهما من جانب من قاموا بتدبيره والإعداد له. التطور الأول هو قرار النائب العام بحبس حرم رئيس الجمهورية السابق خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق والإعلان عن البدء فى إجراءات إيداعها فى أحد السجون المخصصة لذلك بمدينة القاهرة. ويبدو صعبا من توقيت الهجوم الفصل بينه وبين هذا التطور السياسى ــ الأمنى المهم، حيث من الممكن أن يكون بمثابة رد عليه ومحاولة من مدبريه بأن يعيدوا إشعال فتيل الفتنة الطائفية والدينية فى مصر بعد محاولة السبت السابق فى إمبابة لتأكيد قدرتهم على إيلام الثورة بعد كل إجراء كبير يتخذ ضد أحد الرموز الرئيسية للنظام السابق.

التطور الثانى كان هو إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لرسالته رقم 51 قبل ساعات من الهجوم والتى أعلن فيها «أنه تعامل خلال الفترة السابقة بهدوء حقنا للدماء العزيزة لأبناء الشعب المصرى وحفاظا على أمنه وسكينته، وأنه مع تطور الأحداث قرر تغليظ العقوبات القانونية لردع كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الأمة»، وأن «ما تمر به الدولة من مشكلات فى الأمن والاقتصاد ركيزتان لأحلام المصريين إنما هو ناتج عن الدور المشبوه لأعداء البلاد فى الداخل والخارج والذى تعرضت فيه مصر لمؤامرات بدأت بمحاولة الوقيعة بين الجيش والشعب، والوقيعة الداخلية داخل القوات المسلحة نفسها، ثم بدأت أعمال البلطجة وترويع أمن المواطنين، ثم الهجوم المنظم المتسلسل على جميع أقسام الشرطة.. واكتملت الصورة باستخدام الشائعات التى تمزق النسيج الوطنى، من خلال الفتنة الطائفية». ويبدو مرجحا أن وقوع الهجوم بعد هذه الرسالة يمثل أيضا ردا عليها وتحديا مباشرا لما جاء بها من معان وتحذيرات ومحاولة واضحة لإحراج القوات المسلحة ووضعها أمام المصريين باعتبارها غير قادرة على تنفيذ تحذيراتها وغير قادرة على حفظ الأمن فى البلاد وخصوصا فى مثل المكان الحساس الذى وقع فيه الهجوم.

إن هذه المؤشرات، وغيرها، ترجح أننا بتنا أمام تحركات خطيرة متعددة ومتتالية تقوم بها قوى الثورة المضادة من أجل إيصال البلاد إلى كارثة الانهيار الأمنى الكامل والأهم هو إشعار المصريين بذلك حتى لو لم يتحقق الانهيار واقعيا. والأرجح أيضا أن التركيز فى الفترة الأخيرة على تفجير مصر من خلال ملف العلاقات المسيحية ــ الإسلامية المتوتر منذ عقود أربعة على الأقل يسعى إلى الاستفادة من تطوراته المؤسفة الأخيرة ومن تزايد الحساسيات بين عنصرى الأمة خلال الأسابيع الأخيرة وتزامن ذلك مع تنامى وجود بعض التيارات الإسلامية المتشددة فى البلاد بعد الثورة. والواضح أن الهدف الرئيسى للتركيز على تصعيد الصدامات الإسلامية ــ المسيحية ذات الطابع العنيف خلال الفترة الأخيرة هو تفجيرها على أوسع نطاق ممكن فى جميع أنحاء البلاد ودفع مسلمى مصر ومسيحييها نحو التورط فى مزيد منها تحت وقع وتأثير ما ينشر ويذاع عن الأحداث التى يتم تنفيذها بصورة مدبرة، بما يدفع البلاد نحو ما يشبه «الحرب الأهلية» التى ستتكفل ليس فقط بإنجاح الثورة المضادة بل أيضا تمزيق مصر بصورة يصعب بعدها تجميعها فى كيان واحد مرة أخرى.

•••

ولعلنا لسنا بحاجة إلى تكرار ما أشرنا إليه فى مقالات سابقة، وآخرها الأسبوع الماضى، فى نفس هذه المساحة حول أهداف ومصالح أطراف الثورة المضادة الداخلية فى مصر من محاولات ضرب الثورة المصرية العظيمة. إلا أننا لا نستطيع أن نفصل هذه الأهداف والمصالح والمحاولات عن سياق إقليمى ودولى تبدو فيه أطراف عديدة غير سعيدة بما يحدث فى مصر منذ الخامس والعشرين من يناير من ولادة نموذج للثورة فى مصر قام فيه الشعب بكل طوائفه وبصورة سلمية كاملة بثورة لإسقاط نظام سياسى قوى ويتمتع بتأييد كبير من عديد من الأطراف الإقليمية والدولية التى كان يحافظ لها على مصالحها الاستراتيجية، وانضمام القوات المسلحة المصرية إلى هذه الثورة لتصبح حاميتها وراعية مسيرتها الصعبة. وقد زاد تخوف هذه الأطراف الإقليمية والدولية من التحركات الإقليمية المهمة للغاية التى بدأتها مصر الثورة وبخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتى تشى بعودة كبيرة للدور المصرى القيادى فى الإقليم فضلا عما تقدمه الثورة المصرية من نموذج يمكن احتذاؤه فى دول أخرى به بما يهدد أنظمة الحكم فيها. ولعل الروابط بين الثورة المضادة الداخلية فى مصر ونظيرتها على الصعيد الإقليمى لا تبدو حتى هذه اللحظة واضحة للكثيرين ولا محددة المعالم بدقة، إلا أن أى قراءة سياسية للأوضاع ترجح بشدة وجودها.

•••

فى ظل هذه التطورات المتسارعة يبدو ضروريا اليوم أن تشرع القوات المسلحة المصرية عبر مجلسها الأعلى فى اتخاذ قرارات وإصدار تشريعات عاجلة لمواجهة مخاطر الانهيار الأمنى والمجتمعى، وهو ما لا يتصادم مع حزمة واسعة من التشريعات والسياسات الواجب اتخاذها على المدى المتوسط والبعيد لعلاج كل الملفات التى تركها النظام السابق مشتعلة ومفتوحة وراءه وفى مقدمتها ملف الفتنة الطائفية. وبالإضافة إلى قرار تطبيق قانون الأحكام العسكرية على كل الجرائم الواردة فى قانون العقوبات، أو إعلان الأحكام العرفية، الذى طالبنا به فى المقال السابق وكثير من المناسبات، فإن الحفاظ على حقوق التعبير والرأى والاحتجاج وفى نفس الوقت تنظيمها بما لا يخل بأمن البلاد يستدعى الإسراع بإصدار قانون لتنظيم المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات، وهو ما يمكن عمله بنسخ أحد قوانين إحدى الدول الغربية الديمقراطية وتطبيقه كاملا فى مصر على أن يخضع المخالف لتطبيق الأحكام العرفية عليه.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved