عودة الروح

أشرف البربرى
أشرف البربرى

آخر تحديث: الأربعاء 16 مايو 2018 - 10:00 م بتوقيت القاهرة

بأكثر من 110 شهداء خلال نحو 6 أسابيع أعاد الشعب الفلسطينى الروح إلى قضيته المصيرية، بعد سنوات من الجمود والتجاهل والشعور العالمى بأن القضية الفلسطينية قد ماتت إلى الأبد ولم يعد باقيا إلا ترتيب مراسم دفنها سواء تحت شعار «صفقة القرن» أو تحت أى شعار.

ولم تكن الموجة الأخيرة من الاحتجاجات الفلسطينية على استمرار الاحتلال الإسرائيل لأراضيهم، وتآمر العدو والصديق والشقيق على قضيتهم خلال السنوات الأخيرة، سوى حلقة فى مسلسل النضال الفلسطينى المستمر ضد الأطماع الصهيونية على مدى نحو مائة عام، لتذكير العالم بأن هناك شعبا لم يقبل ولن يقبل بضياع حقوقه المشروعة فى أرضه ومقدساته الدينية والوطنية مهما مر الوقت ومهما اختلت موازين القوى العسكرية والسياسية ومهما تخلى عنه الأصدقاء والأشقاء.
جاءت مظاهرات «مسيرة العودة» الفلسطينية التى تواصلت على مدى ستة أسابيع، لكى تصفع وجود أصحاب الأصوات الشاذة التى تعالت خلال السنوات القليلة الماضية لتردد تلك التفاهات عن بيع الفلسطينيين لأراضيهم، وتخليهم عن قضيتهم، بل وصل الأمر ببعض الأصوات والأنظمة العربية إلى اتهام فصائل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، على الرغم من فشل هذه الأنظمة فى تقديم دليل واحد يدين هذه الفصائل، اللهم إلا أنه مجرد تماهى هذه الأنظمة مع مواقف أمريكا وإسرائيل ضد المقاومة.

قمة المأساة أن هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات الفلسطينية، تأتى فى عصر ملوك الطوائف العرب والمسلمين، حيث غابت عن أنظمة الحكم العربية الرؤية الصحيحة للعدو والصديق، وأصبحت إسرائيل بالنسبة للعديد من العواصم العربية والإسلامية صديقا وحليفا، فى حين تنظر هذه العواصم إلى الفلسطينيين ومعهم دول عربية ومسلمة أخرى كأعداء لمجرد خلافات مؤقتة فى الأولويات.

مرة أخر يؤكد الشعب الفلسطينى للعالم أن قضيته ستظل حية مادام لهذا الشعب وجود وأن كل محاولات الأشقاء قبل الأعداء لدفن القضية أو تفتيتها لن تنجح، لأن هذا الشعب البطل لديه كل الاستعداد لوضع العالم أمام أزمة ضمير عندما تتابع شعوب العالم عدوان الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة، فى حق هذا الشعب المصر على الدفاع عن حقوقه التى لا يمكن لإنسان أن ينكرها جهرا وإن حاولت حكومات العديد من دول العالم الالتفاف عليها وربما تصفيتها.

الشعب الفلسطينى يخوض معركته ليس فقط دفاعا عن حقوقه ووجوده بقدر ما يخوضها دفاعا عن وجود وحقوق أغلب الدول العربية وبخاصة تلك الواقعة على خطوط المواجهة مع العدو الإسرائيلى حتى لو كانت خطوط المواجهة البعيدة.

فى المقابل نرى محاولات من بعض الدوائر السياسية والإعلامية فى العديد من الدول العربية لشيطنة الشعب الفلسطينى، وتبييض وجه إسرائيل وتقديمها فى صورة الدولة التى لم تعد تمثل خطرا على الدول العربية، والترويج لأعداء مفترضين آخرين حتى لو كانوا دولا عربية أو إسلامية كما يحدث الآن مع إيران وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.

أخيرا، فقد نجح الفلسطينيون بما قدموه من تضحيات جديدة على مذبح الحرية فى إعادة فرض قضيتهم على جدول أعمال المجتمع الدولى، الذى لم يجد مفرا من التحرك، حتى لو كان محدودا، للتعامل مع القضية لأنه وجد نفسه أمام شعب مستعد لتحدى الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة بصدر مكشوف، وهو ما يمكن أن يثير موجة غضب شعبى تتجاوز حدود الأراضى المحتلة لتفتح الباب أمام تداعيات قد لا يمكن احتواؤها بسهولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved