فلنقل لهم ما يشعر به الناس

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الأربعاء 16 مايو 2018 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

سأكتب اليوم بغضب وحدة، فالكيل قد طفح من الجنون والتيه الذى أصاب بعض جهات القرار فى بلاد العرب. ومن سخريات القدر أنه فى الوقت الذى يحتفل الصهاينة بمرور سبعين سنة على احتلالهم لأرض فلسطين العربية، بعد طرد سكانها العرب وحرق قراهم، ويحيى الفلسطينيون وإخوتهم العرب الذكرى السبعين لنكبة فلسطين وأهلها فى هذا الوقت، ودون حياء أو خجل أو وخز ضمير أو أى مراعاة لالتزامات أخوة العروبة الإسلامية ــ المسيحية، ينجرف البعض نحو التطبيع الشامل مع العدو الممارس لأبشع أنواع الإمبريالية واللصوصية وقتل المدنيين.

فهنيئا لأولئك العرب الذين يصرحون ويغردون ويكتبون ويتفاخرون فى المحافل الدولية وعلى شاشات التلفزيونات العالمية بحق اليهود التاريخى الكاذب فى فلسطين، وبحقهم فى أن تكون لهم دولتهم على أرض فلسطين العربية المغتصبة، وبالتصفيق لجيشهم المجرم وهو يدك مدن وقرى هذا البلد العربى أو ذاك، وبإغلاق عيونهم وآذانهم وبصائرهم وضمائرهم عن أنين الألوف من المساجين الفلسطينيين، وعن نواح الأطفال الفسطينيين المرتعبين وهم يجرجرون من قبل الجنود الصهاينة، وعن جحافل البرابرة الأصوليين الصهاينة وهم يقتحمون المسجد الأقصى عنوة بحماية وتشجيع سلطات الاحتلال، وعن القرار الأمريكى بشأن صهينة القدس.

هنيئا لكل هؤلاء وهم يُشرفون ويفُخمون ويُعظمون من قبل المغردين الصهاينة على شبكات التواصل، مرحبين بأن اهتدى هؤلاء أخيرا إلى الحق والمنطق، ومادين الأيادى الصهيونية الملطخة بالدماء لاحتضانهم بدفئ الثعابين وبمشاعر الاحتقار.

هنيئا لهم ذلك الخزى والعار واللؤم الذى يقابله شرف وإنسانية وخجل الألوف من اليهود الشرفاء الساكنين فى فلسطين المحتلة، والذين يرون ما لا تراه بصيرة هؤلاء العرب العمياء ويشعرون بوخز الضمير وبالشعور بالذنب التاريخى الذى ما عاد أولئك العرب يملكونه.

هنيئا لأولئك العرب وهم يتخلون بشماتة وسقوط أخلاقى عن اثنى عشر مليونا من إخوانهم العرب المسلمين والمسيحيين فى فلسطين والجولان وجنوب لبنان ليحققوا لأنفسهم هذا السبق وذاك الرضى الأمريكى وتلك الغنيمة الحرام، حتى ولو تم ذلك فى أجواء البؤس فى الملاجئ المتهالكة والحزن فى البيوت المهدمة والتشريد فى الشوارع والتيه فى منافى شتى أصقاع الأرض بلا وطن ولا أمل.
لكن، دعنا نذكر:

فقد يحصل من يريد أن يجلس على كرسى الرئاسة، أو من يريد تجديد تواجده فى الحكومات القادمة، أو من يتطلع إلى الحصول على وظيفة مليئة بالمال والفخامة، أو من يبتغى التمتع بالدعوات المستمرة لحضور المؤتمرات الفخمة المدفوعة الأجر فى ربوع أمريكا وأوروبا، أو من قرر أن يكون من أتباع الشر الشيطانى كرها فى قيم وعقيدة هذا الدين أو ذاك، قد يحصل بعض هؤلاء أو كل أولئك على هذه الامتيازات والمناصب والغنائم، لكنهم لن يحصلوا قط على تقدير ومحبة مواطنى، البلدان التى ينتمون إليها، ولا على احترام الصهاينة أنفسهم، إذ إن الصهيونى الطامع فى المزيد والمحتقر لتاريخ وتراث وآمال العرب لا ينخدع بابتسامات وتلويحات الذين يعرضون خدماتهم فى أسواق النخاسة، بل العكس هو الصحيح: إنهم يحتقرونهم ويقدمون لهم بعضا من المكافآت جزاء خدماتهم، تماما كما فعل القائد الفرنسى نابليون الشهير عندما قذف ببضع فرنكات لخائن جاء ليستلم ثمن خيانته ويطلب المركز والوجاهة قائلا له: تلك الفرنكات هى ثمن الخيانة الذى تستحقه، فخائن الأمس سيصبح خائن الغد، والوثوق فى شرفه ليس أكثر من سراب كاذب.

***

إذا كانت الكلمات غاضبة والتعابير حادة فلأن من واجبنا أن ننقل بصدق مشاعر الغالبية الساحقة الغاضبة من شعوب هذه الأمة تجاه ما يحدث. وإذا كان الراكضون وراء سراب التعايش مع الفكر والممارسات والأهداف الصهيونية صادقين مع أنفسهم فليطرحوا على الاستفتاء الشعبى موضوع القبول الشعبى لما يفعلون. إنهم لن يكتشفوا فقط الرفض الجارف للتطبيع، وإنما سيكتشفون أيضا الرفض التام للوجود الصهيونى فى أى بقعة من وطن العرب. نحن نتحداهم أن يقدموا على ذلك.
يخيل لمن يكتبون عن هذا الانحراف القومى بأن ممارسيه يكررون فى داخلهم: دعهم يكتبوا ما يشاءون، ففى النهاية سيتعبون. ما لا يعرفه هؤلاء أنهم هم الذين سيتعبون من محاولة جعل ممارساتهم وأقوالهم مقبولة لدى الإنسان العربى العادى. قد يكون الإنسان العربى فيه الكثير من السلبيات، لكن المروءة والشهامة والتراحم مع المحتاج والمأزوم والانتصار لأخية المظلوم هى صفات متجذرة فى طبعه وتركيبته النفسية.

لقد قدم العرب مبادرة سلام مذلة فداست عليها أقدام الصهاينة، واعترف الفلسطينيون بالكيان الصهيونى فاستولى المستوطنون الصهاينة على نصف الضفة الغربية، ولم يقبلوا برجوع اللاجئين، وأعلنوا كيانهم دولة يهودية، وتوجوا كل ذلك باعلان القدس كعاصمة أبدية لهم. ومع ذلك، بل وبالتناغم مع كل ذلك، تمتدُ يد البعض لاحتضان ذلك الكيان المسخ ومحاولة إدماجه فى وطن العرب.

يسأل المئات الذين ماتوا منذ بضعة أيام على حدود غزة مع فلسطين المحتلة، والألوف الذين جرحوا، هل دفعنا الثمن بلا فائدة ولا أمل ولا شفقة حتى من إخواننا وأهلنا؟ هل يستطيع المعترفون والمطبعون والراكضون وراء السراب الصهيونى والمأخوذون بابتسامات دونالد ترامب وصهره الصهيونيين هل يستطيعون الإجابة على تلك الأسئلة؟

dramfakhro@gmail.com

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved