تحركات الولايات المتحدة وحلفائها فى سوريا

محمد مجاهد الزيات
محمد مجاهد الزيات

آخر تحديث: الخميس 17 مايو 2018 - 1:11 م بتوقيت القاهرة

تكشف التحركات الجارية فى شرق وشمال سوريا عن ملامح استراتيجية أمريكية جديدة للتعامل مع تطورات الأزمة السورية خلال المرحلة القادمة، يشارك فيها أطراف دولية وإقليمية، وتستهدف بالدرجة الأولى معالجة الاختلال السياسى والعسكرى فى تلك الأزمة ويمكن رصد أهم ملامح الاستراتيجية التى تتبناها واشنطن وحلفاؤها فى سوريا فى الوقت الحالى فى المسارات التالية:

انتهاء الحديث عن انسحاب قوات أمريكية من سوريا بعد أن أكد الخبراء العسكريون الأمريكيون ضرورة بقاء هذه القوات، وتغير تبعا لذلك موقف الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ذاته، لكن من الثابت أنه لن يتم زيادة الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا عن حدوده الحالية. وتتضمن هذه الاستراتيجية مشاركة قوات فرنسية وهى التى وصلت بالفعل إلى شرق الفرات، وكذلك مطالبة دول عربية أخرى بمشاركة مباشرة من قواتها ودفع تكاليف وأعباء الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا وإن كان من غير الواضح حتى الآن أين تتمركز القوات العربية فى سوريا، وهل ستندرج ضمن الاستراتيجية الأمريكية لمحاصرة النفوذ الروسى والإيرانى وتصطدم بقوات الجيش السورى.
إجراء الولايات المتحدة اتصالات عسكرية واستخبارية مع الدول التى تعتبر حلفاء لها فى سوريا خاصة الاجتماع الذى عُقد فى الأردن الأسبوع الماضى، والذى ضم خبراء على هذا المستوى من كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن. كما عُقد اجتماع ضم خبراء عسكريين واستخباريين من كل من أمريكا وفرنسا وتركيا فى إسطنبول خلال الأيام الأخيرة.

مبادرة فرنسا بالانخراط بصورة أكبر فى الأزمة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ومن الملاحظ أنه طبقا للتفاهمات التى جرت بين الطرفين وكذلك بين واشنطن وأنقرة، فإن تلك القوات لن تدخل المناطق الكردية المتنازع عليها مع تركيا، ووقفت على الخط الفاصل بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن ومناطق سيطرة تركيا. وتمركزت القوات الخاصة الفرنسية فى حقول كونوكو والجفر والعمر البترولية فى ريف دير الزور الشرقى لتشغل فراغا كان مقررا زيادة القوات الأمريكية لتغطيته.

الاستفادة من القوات التابعة لجيش الإسلام (فى حدود 10 آلاف مقاتل) وفيلق الرحمن (فى حدود 2500 مقاتل)، والتى تم تهجيرهم من دوما فى الغوطة الشرقية لدمشق إلى جرابلس وعفرين، لتحقيق انتشار عسكرى فى مناطق شرق الفرات خاصة فى الرقة لتثبيت النفوذ الموالى لواشنطن فى تلك المنطقة.

التركيز على قاعدة التنف العسكرية كنقطة تمركز استراتيجى فى جنوب سوريا وصولا إلى السويداء، وتطوير منطقة خفض التوتر هناك إلى منطقة عازلة تحول دون وصول قوات النظام إلى الحدود الدولية مع الأردن أو العراق فى تلك المنطقة ولتأمين منطقة الجولان المحتلة (أجرت إسرائيل والأردن اتصالات مع روسيا تم خلالها التوصل إلى تفاهمات لمنع توجه النظام لحسم السيطرة فى تلك المنطقة حيث تخشى الأردن من تأثير على أمنها واستقرارها وتستهدف إسرائيل منع تمركز قوات تابعة لإيران قريبة من حدودها).
أفرزت هذه التحركات الأمريكية والغربية عددا من المتغيرات الهامة، والتى كان من أهمها ما يلى:

عودة القوات الكردية، التى كانت قد خرجت من التحالف الذى أنشأته الولايات المتحدة للسيطرة على منطقة شرق الفرات بعد دخول القوات التركية إلى عفرين وعدم اتخاذ واشنطن مواقف مساندة للأكراد بهذا الخصوص، إلى شرق الفرات مرة ثانية وذلك ارتباطا بقلق القوات الكردية المختلفة من المخطط الأمريكى لتوطين مقاتلى جيش الإسلام وفيلق الرحمن فى الرقة ودير الزور، وخوفا من حدوث تغيير ديمغرافى على حساب الغالبية الكردية فى تلك المنطقة.
تركيز النظام على عدم التصادم مع الخطة الأمريكية خاصة فى الجنوب وترجيح تركيزه وحلفائه على أن تكون أولوياته استكمال تأمين العاصمة وريف حماة وحمص انتظارا للمعركة الحاسمة فى محافظة إدلب.

استثمار تركيا لصراع الأجندات الكبرى فى سوريا لتحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية فى سوريا، وفى الوقت الذى تحرص على استمرار التنسيق مع روسيا وإيران، وقعت ما يمكن تسميته بصفقة منبج مع الولايات المتحدة والتى كفلت لها خروج وحدات حماية الشعب الكردية من عفرين ومنبج وتل رفعت لتأمين الشمال السورى وكذلك ضمان واشنطن لعدم دخول أى من العناصر العسكرية التابعة لتلك القوات إلى تلك المنطقة فى مقابل تفهم أنقرة للاستراتيجية الأمريكية فى شرق الفرات.

تكثيف روسيا لدعم القدرات العسكرية للنظام السورى خاصة فيما يتعلق بأنظمة الدفاع الجوى، وقيامها برصد دقيق لأى محاولات من شأنها تغيير الواقع السياسى، ومحاولة إعادة الأزمة إلى جنيف 1، وضرورة أن تأخذ أيه محاولات للتعامل مع الأزمة ومعطيات الموقف العسكرى الجديد.

تحاول الولايات المتحدة والدول الغربية البناء على ما ترتب على رسالة العدوان الثلاثى للدخول فى عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة خاصة بعد توظيف نتائج التمركز العسكرى الجديد فى شرق الفرات وجنوب سوريا. ويُشار فى هذا الإطار إلى أن التحرك المفاجئ للمبعوث الأممى «ستيفان دى ميستورا» يشير إلى ذلك بوضوح، وتواصل الولايات المتحدة خطواتها لدعم الإقليم الكردى شرق الفرات ككيان مستقل وبدأت مؤخرا فى بناء هياكل ومؤسسات إدارية بديلة للمؤسسات الحكومية السورية لتتولى إدارة الحياة ووضع خطط إعادة الإعمار خاصة بعد القانون الذى اتخذه الكونجرس والذى يقضى بعدم توجيه أيه أموال لدعم الإعمار فى المناطق التى يسيطر عليها النظام.
وتستعد كل من الولايات المتحدة وفرنسا لضخ استثمارات فى تطوير حقول الغاز والبترول فى شرق الفرات لتحقيق مكاسب اقتصادية وحرمان النظام من مصادر دخل أساسية، وسوف يحول التمركز الأمريكى والغربى فى الجنوب السورى بالدرجة الأولى وكذلك فى شرق الفرات دون إنشاء إيران للطريق الدولى عبر العراق وسوريا.

ومن الواضح أن هناك تفاهما أمريكيا إسرائيليا على عدم القيام بأيه خطوات حادة تجاه الأوضاع فى سوريا فى الوقت الحالى انتظارا لاستقرار الاستراتيجية الأمريكية وحتى لا تختلط الأوراق. ويُشار فى هذا الإطار إلى الزيارة التى أجراها مساعد وزير الدفاع الأمريكى إلى تل أبيب منذ عدة أيام والتى تم خلالها إجراء محادثات مكثفة بهذا الخصوص وذلك بحسب المصادر الإسرائيلية.

وهكذا، يتضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين والإقليميين قد بدأوا مخططا لاستعادة المزيد من النفوذ ومحاصرة النفوذ الروسى والإيرانى على مستويات متعددة والدخول فى مراحل متقدمة لفصل الإقليم الكردى عن الدولة السورية، وإن كان الدخول فى مرحلة الحل السياسى لن يحقق الكثير من الطموحات الأمريكية بهذا الخصوص فى ظل نجاح النظام وروسيا فى تصفية معظم التنظيمات العسكرية وشبه الانهيار الحالى فى المعارضة السياسية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved