تساؤلات من وحى جريمة البدرشين

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 16 يوليه 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

وزارة الداخلية هى أول من يدرك أن البدرشين وجنوب الجيزة إلى حد ما تمثل أحد معاقل التطرف، مثلها مثل مراكز ومدن وقرى الفيوم وبنى سويف. ووزارة الداخلية تدرك أيضا أننا فى حالة طوارئ منذ العاشر من إبريل الماضى. ورئيس الجمهورية أيضا طالب بالاستنفار والجاهزية فى الأسابيع الأخيرة، كما طلب أكثر من مرة من رجال الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية اليقظة والانتباه خصوصا بعد العملية الإرهابية ضد جنود وضباط كمين البرث فى رفح يوم الجمعة قبل الماضى.
والترجمة العملية لكلام رئيس الجمهورية عن «الاستنفار والانتباه واليقظة» هى وجود إهمال وتقصير وعدم جدية أو عدم تأهيل.
إذًا تدرك وزارة الداخلية وسائر الأجهزة الأمنية أن الإرهابيين والمتطرفين يتربصون بجنود الشرطة والجيش فى كل مكان، بل صاروا هم يستهدفون الجنود على الهوية.
نلاحظ مثلا أن الإرهابيين يقتلون رجال الشرطة فقط لكونهم رجال شرطة. مثلا استهدفوا تمركزا لجنود يقومون بتحصيل رسوم المرور فى العياط على طريق الصعيد، وكمينا عاديا جدا فوق محور ٢٦ يولو قرب ميدان لبنان قبل أيام، وأخيرا استهدفوا دورية تتبع شرطة السياحة فى البدرشين يوم الجمعة الماضى، وقبلها قتلوا ضابط مباحث بالأمن الوطنى فى الخانكة، كما استهدفوا نقطة شرطة فوق الطريق الدائرى بمدينة نصر. إذًا كل ما سبق له عنوان واحد هو أننا بصدد «موجة إرهابية عالية».
وبالتالى لا يمكن التعلل بأى أعذار، من قبيل أنها دوريات لشرطة المرور والسياحة، يفترض ألا يتم استهدافها.
إذا كان كل مهتم بالشأن العام يدرك هذه الحقائق فكيف يتم استهداف رجال الشرطة بهذه السهولة فى الفترة الأخيرة؟!
الفيديو الذى شاهده كثيرون لحادث قرية أبوصير بمركز البدرشين يكشف العديد من النقاط التى ينبغى دراستها واستخلاص العبر منها بسرعة حتى لا تتكرر مرة أخرى.
سيارة الشرطة كانت تسير وتم استهدافها حينما هدأت فى مطب صناعى. السؤال: إذا كانت دورية الشرطة تدرك أنها تسير فى «وسط بيئة غير صديقة أو معادية» ألم يكن الأصح أن يكون الجنود مستعدين ويدهم على الزناد، بحيث يشتبكون فورا مع المهاجمين؟!.
من الواضح أن جنود وأمناء شرطة لم يتوقعوا الحادث بالمرة، ولذلك تمكن المهاجمون من قتلهم جميعا والاستيلاء على أسلحتهم وجهاز اللاسلكى الخاص بهم فى وقت لم يستغرق ثلاث دقائق!.
إذا اقتنعنا بأن الإرهابيين يستهدفون الشرطة والجيش بالكامل، فقد وجب على الأجهزة المختصة أن تعيد النظر فى كل المنظومة.
مطلوب إعداد وتدريب الجنود على أعلى مستوى ليكونوا مهيئين ومؤهلين ومستعدين لقواعد الاشتباك لأنهم الآن يخوضون حرب عصابات مع جماعات غير منظمة، هم لا يقاتلون جيشا منظما بل هجمات عشوائية، يمكن أن تتم فى أى وقت وأى مكان. نوعية جندى الشرطة الذى يتصدى لمثل هذه العمليات يفترض أن تختلف تماما عن زميله الذى يحرس وزارة او سفارة أو مؤسسة، وتختلف عن جندى الجيش المرابط على الحدود أو الذى يقود طائرة أو مدرعة أو يحمل آر بى جى، كما تختلف مع جندى العمليات الخاصة المدرب على التعامل مع كل المواقف والأماكن.
نقول هذا الكلام ليس تقليلا من جهد ودور الشرطة التى تقدم كل يوم شهداء دفاعا عن استقرار الوطن مع القوات المسلحة، بل نقوله حتى نطمئن أن العمل يتم فى أفضل بيئة ملائمة تضمن إنجازه بسرعة، وأن كل العناصر والأجواء مهيأة وجاهزة. نقوله أيضا حتى نحافظ على أبناء الشرطة أنفسهم من أفراد وأمناء ومساعدين وضباط، وحتى نضمن أنه سيتم القضاء على الإرهاب والإرهابيين.
لا نقلل إطلاقا أو نشكك فى الرغبة فى الانتصار لدى جنود الشرطة، ولا نشكك فى إخلاصهم، خصوصا أنهم يضحون بأرواحهم، لكن فقط نريد أن نطمئن أن ذلك يتم بالطرق الصحيحة والسليمة حتى لا يملك الإرهابيون المبادرة ويصيبوا المجتمع باليأس، وهنا فإن المسؤلية تقع على عاتق المستويات الأعلى فى أمور التدريب والتأهيل والجاهزية.
رحم الله شهداء الشرطة والجيش وكل شهداء الوطن الذين يضحون بأرواحهم من أجل أن نعيش فى أمان وسلام، ولا سامح الله القتلة الإرهابيين والفاسدين وكل من يتسبب فى تعويق هذا المجتمع وتعطيله.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved