لافتة «شقة للإيجار».. أمل يتحقق بقرار

وائل زكى
وائل زكى

آخر تحديث: الأحد 16 يوليه 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

كنا فى نهاية عام 1968، ولا أتذكر ما السبب الذى رفض أبواى من أجله أن نُنْزل «العفش» فى شقتنا الجديدة، وظل فى نفس سيارة النقل حتى أنزلناه فى الشقة التى راقت للجميع، واستقر بنا المقام فى شقة بالدور الرابع قرب نفق شارع الهرم، لذلك كنا نرى الهرمين الأكبر والأوسط، ثم زارتنا فى يوم ما لجنة تقدير الإيجارات حيث قدرت على والدى إيجارا للشقة ثمانية جنيهات شهريا (طبقا للقانون 52 لسنة 1969)، ومازالت العمارة بكاملها تدر دخلا على ورثة صاحبها جميعهم قد يتجاوز السبعين جنيها شهريا.
فإذا حاولنا تناول الموضوع من الناحية الاستثمارية سنجد أنه قد مر على العلاقة بين المالك والمستأجر عدة قوانين ما بين عام 1952 وعام 1965 سَنّت تخفيضاتٍ فى أجرة السكن توالت من 15% حتى تجاوزت فى مجموعها 50% فى سلسلة إجراءات تخفيض للإيجار متتالية تستهدف ضبط العلاقة وإقرار أوضاع متزنة بين الاحتياج المجتمعى والظروف السياسية والاقتصادية، ثم اتخذت الدولة منحىً موازيًا لذلك منذ عام 1962 (قانون 46) حيث ربطت القيمة الإيجارية بنسبة تمثل قيمة الفائدة الاستثمارية للعقار، أرضا ومبانى، فعاش الوسط العقارى فى ازدواجية وتشتت بين القوانين واللوائح والإجراءات التنفيذية، حتى صدر القانون رقم 52 لسنة 1969 فى محاولة أخرى لإيجاد توازن فى العلاقة بين المالك والمستأجر تحقق الفائدة المرجوة لكل منهما والذى على إثره يتقاضى ورثة صاحب عمارتنا ما يتجاوز السبعين جنيها شهريا.
***
من الجدير بالذكر أن هذا القانون الأخير لم يتناول موضوع التمليك وهو صورة كانت قد انتشرت فى وقته، وبتاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر «صدر أمر نائب الحاكم العسكرى العام رقم 4 لسنة 1976 متضمنا بعض الأحكام الخاصة بالإيجار والتمليك، فى محاولة من جانب السلطة المختصة لتضع ما ارتأته من ضوابط تكفل تنظيم لأمر بعض زوايا هذه العلاقة، ولقد أثار هذا الأمر بعض المناقشات وعلى الأخص فيما يتعلق بمواعيد تعديل الأوضاع الخاصة بالإيجار المفروش، مما دعا نائب الحاكم العسكرى العام إلى إصدار الأمر العسكرى رقم 5 لسنة 1976 بوقف تلك المواعيد»، هكذا كان نص تقرير لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير عند نظر القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن.
قيل فى تلك الفترة إن المهجرين من مدن القنال ازداد عددهم وباتوا يزاحمون أهالى الأحياء، كما بدأ ظهور بدعة جديدة يتهرب بها ملاك العمارات من تأجير الشقق ولجنة تقدير الإيجارات، حيث يعرض المالك شقق العمارة للتمليك، وكان أمرا مستغربا وقتها، بل بدأ بعض الملاك يطلبون مبلغا قد يصل إلى خمسة آلاف جنيه «خِلِوْ رِجْل»، مبلغ غير محسوب من الإيجار، وكانت ظاهرة منذ النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى وبداية الثمانينيات، كانت تلك شواهد بداية أزمة السكن فى مصر، وهى نفس الفترة التى توجهت الدولة خلالها لإنشاء الجيل الأول من المدن الجديدة منذ 1976 شاملا مدن السادات، 10 رمضان، 6 أكتوبر، 15 مايو، برج العرب الجديدة، الصالحية الجديدة، كان من أهم أهداف إنشائها أن تسهم فى إعادة توزيع السكان بعيدا عن الشريط الضيق لوادى النيل، وخلق مراكز حضارية جديدة ومناطق جذب مستحدثة خارج نطاق المدن والقرى القائمة.
تعدى عدد المدن الجديدة الآن الثلاثين مدينة، معظمها لم يحقق أهدافه فى جذب العدد السكانى المقرر لها، والبعض الذى نجح فى تحقيق جذب سكانى، لم يحققه من خلال ما كان مخططا له من أنشطة وفئات سكانية، وصارت الحكومة تبذل قصارى جهدها فى بناء مساكن وطرح أراضٍ، وتنوعت مشروعاتها وأنماط تنفيذها ما بين الإسكان الاجتماعى والمنخفض والشباب والقومى والاقتصادى وغيرها، وقد تخطى عدد الوحدات السكنية حاجز النصف مليون وحدة خلال السنوات القليلة، ومع ذلك تفاقمت مشكلة الإسكان وتضخم حجم الطلب على الوحدات السكنية، فالحكومة تبنى مساكن للتمليك وتطرح أراضى بالمزايدة، وصار متوسط سعر وحدة الإسكان الاجتماعى قبل انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار حوالى 150 ألف جنيه واقترب من المائتى ألف حاليا، ولكن ليس هذا هو سبب الأزمة الأوحد، فالأزمة سببها قلة المعروض أمام حجم الطلب، الطلب الحقيقى على السكن يقاس بمتوسط تكون الأسر المسجل سنويا والتى وصل فى مصر إلى نصف مليون أسرة جديدة كل عام، هذا هو حجم الطلب الفعلى بدون إضافات التجديد والارتقاء الاجتماعى وازدواج السكن للأسر المنفصلة بالطلاق وتطوير العشوائيات وغيره ذلك مما يرفع الرقم فى أقل التقديرات نحو مائة ألف وحدة أخرى، ليصبح المطلوب لسد الطلب السنوى حوالى 600 ألف وحدة سكنية.
***
ثم عودة بالحديث عمن نسيناهم منذ أول فقرة فى المقال، أو زمنيا منذ السبعينيات، أو أحداثا منذ بدء إنشاء المدن الجديدة، أصحاب العمارة الذين مازالوا يتقاضون من تأجير وحداتها سبعين جنيها شهريا بإجمالى 840 جنيه سنويا، الذين مرت عليهم تخفيضات لجان الإيجارات طبقا لتوجه الدولة فى ضبط العلاقة بين المالك والمستأجر لصالح المستأجر، الذين أذعنوا لهذا التوجه إشراكا لهم فى تحقيق الأمن الاجتماعى، نعم لقد أسهمت تلك الفئة ــ شاءوا أم لم يشاءوا ــ فى استقرار ملايين السكان فى سكنهم وأسهموا فى مواجهة الطلب على السكن مع الدولة التى أصبحت اليوم تستشرف مستقبل التمليك وأسعار تقنين الأراضى ومواجهة سماسرة العقارات برفع قيم الحدود الدنيا للمزادات العقارية التى تطرحها، وحدات وقطع، وصارت الحكومة تحصل تكاليف البنية الأساسية وتقدر قيم الأرض سوقيا بحكم قواعد العرض والطلب.
مئات الآلاف من الوحدات السكنية الخاضعة لقرارات تحديد القيمة الإيجارية حتى اليوم باتت صيانتها عبئًا ينوء بحملة الملاك، وفصل خاص باتحاد الشاغلين فى باب الحفاظ على الثروة العقارية فى قانون البناء الموحد غير ملزم، والانتظار حتى تؤول تلك العمارات للانهيار عند تجاوز عمرها الافتراضى فى المدى المتوسط، سيضع الحكومة أمام تحدٍ ربما تتلافاه لو اتخذت قرارا فى الوقت المناسب بالتحرير الجزئى للعلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر إلى أن تتحرر كليا، مع عرض نسبة لا تقل عن 60% من معروض مشروعاتها المتنوعة المستويات للإيجار وإعطاء الأولوية فيها للقادمين من الوحدات التى كانت خاضعة لتحديد الأجرة، وتوجيه التمويل والاستثمار العقاريين لدعم الصيانة والارتقاء بالعقارات القديمة، لفتح الباب أمام الإحلال الجغرافى والحراك الاجتماعى بين السكان لتبدأ لافتة «شقة للإيجار» فى الظهور مرة أخرى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved