هامش للديمقراطية ــ أزمة عزوف المواطن وفقدان ثقته فى الديمقراطية

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الإثنين 16 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

نعود إلى البدايات: تعانى الديمقراطيات المستقرة من أزمة عزوف قطاعات واسعة من المواطنات والمواطنين عن المشاركة فى السياسة وإدارة الشأن العام وامتناعها عن التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات. ليس لهذه القطاعات الواسعة، والتى تتجاوز نسبها ثلث الهيئة الناخبة فى بعض الديمقراطيات، ثقة فى السياسة أو ممارسيها المنتخبين المنظور إليهم باعتبارهم صنيعة المصالح الاقتصادية والمالية والحزبية الكبرى. ولا قناعة كذلك لديها بإمكانية التغيير عبر المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات لاختيار ممثلين أفضل فى السلطتين التشريعية والتنفيذية، فالكل فى الدفاع عن المصالح الكبرى سواء وبدونها تغيب فى جميع الأحوال الفرص الحقيقية للوصول إلى المناصب التشريعية والتنفيذية المنتخبة.

وخلال العقود الماضية، لم تنجح الديمقراطيات المستقرة فى الحد من أزمة عزوف المواطن عن المشاركة إلا فى لحظات استثنائية كصعود اليمين المتطرف فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا أو كإنهاء سياسات بوش بانتخاب أوباما رئيسا فى الولايات المتحدة أو ككساد اليابان الاقتصادى الذى استدعى تغيير الأغلبية البرلمانية قبل سنوات قليلة.

وإذا كانت الديمقراطيات المستقرة تعانى من أزمة عزوف المواطن وتراجع معدلات المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات، فإن الدول والمجتمعات التى لم تستقر بها الديمقراطية بعد أو تمر بمسارات تحول متعثرة وقلقة سريعا ما تفقد ثقة قطاعات واسعة من المواطنات والمواطنين فى السياسة وممارسيها مع تتابع الأزمات وغياب «عائد الديمقراطية» الإيجابى والمتمثل فى تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وارتفاع درجات التزام مؤسسات الدولة وأجهزتها بالشفافية والنزاهة ومحاربة الفساد.

وحين تقترن الأزمات بأداء كارثى لبعض نخب السياسة الباحثة إما عن الهيمنة الأحادية أو المتصارعة حول المصالح دون اعتبار للقيم الديمقراطية ولسيادة القانون (جماعة الإخوان فى مصر خلال الفترة الماضية)، وحين يتواكب غياب العائد الإيجابى للديمقراطية مع استمرار ترويج نخب أخرى لضرورة تغيير قواعد الحياة السياسية بعيدا عن صندوق الانتخابات أو باستدعاء الجيش أو المؤسسات الأمنية للتدخل بها (أغلبية الأحزاب والتيارات الليبرالية واليسارية والقومية المصرية)، فإن فقدان ثقة المواطن فى السياسة يتحول إلى نزع كامل للشرعية وللمصداقية عنها وبحث عن الخلاص وأطواق النجاة فى أنماط غير ديمقراطية لتنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع.

لحظة كهذه تمكنت من روسيا الاتحادية بعد سنوات رئاسة بوريس يلتسين الكارثية التى جعلت من الدولة العظمى سابقا دولة فاشلة، وجسدها ولم يزل فلاديمير بوتين ونمط حكمه السلطوى جوهرا (تعقب المعارضين وتحالف المال والسلطة وتصاعد معدلات غياب الشفافية والفساد) والديمقراطى شكلا (الانتخابات الدورية). لحظة كهذه تتمكن اليوم من مصر بعد الأخطاء الكارثية لرئاسة الدكتور محمد مرسى ومع الانقلاب الليبراليين واليسار على قيم الحرية وحقوق الإنسان، وتجسدها اليوم مقولات الأمن أولا والحرب على الإرهاب وتمديد حالة الطوارئ وتخوين المعارضين التى تفتح الباب واسعا لإعادة إنتاج الدولة الأمنية وربما فى إطار ديمقراطى الشكل به دستور واستفتاء وانتخابات.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved