النفط والسلاح.. ليبيا إلى أين؟

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الجمعة 16 سبتمبر 2016 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

لم يعد ممكنا استبعاد أشباح التقسيم.

كل شىء محتمل إذا عجز السلاح عن أن يحسم وفشلت السياسة فى التوصل إلى حل.

أمام الطرق المسدودة قد يطرح التقسيم كمخرج من أزمة بلا مرفأ تصل إليه.

إذا ما جرى الاحتكام للسلاح على نحو واسع فإنه التقسيم لا محالة.

وإذا ما استقر الانقسام فهو التقسيم بصيغة أخرى.

بين الانقسام والتقسيم طرح سؤال النفط نفسه مجددا على جدول أعمال الصراع بعد سيطرة الجيش الوطنى الليبى بقيادة «خليفة حفتر» على الهلال النفطى مدعوما بقبائل «برقة».

النفط من أكثر الدوافع جوهرية فى الصراع على ليبيا، لكنه لا يلخص كل الدوافع.

بحكم الموقع الجغرافى تتحكم ليبيا فى استراتيجيات جنوب البحر المتوسط، كما أنها تجاور ثلاث دول عربية مصر والجزائر وتونس، وأى انفلات إضافى فى أوضاعها الأمنية يضرب تلك الدول بالعمق.

فى السيطرة على «الهلال النفطى» رسالة عكسية على التدخل الأمريكى بقوة القصف الجوى فى معركة «سرت» ضد تنظيم «داعش».

لم يكن «داعش» هو صلب الرسالة بقدر ما كانت دعما سياسيا لحكومة «الوفاق الوطنى» بقيادة «فايز السراج».

ما هو مكتوم فى أسباب الصراع أخطر مما هو معلن.

نحن أمام محاولات متعثرة لإعادة ترتيب الأوراق قبل الانتهاء من الأزمة السورية والحرب على «داعش».

إذا قسمت سوريا فإن خرائط جديدة سوف تظهر فى الإقليم.

وإذا ما جرى الحفاظ على وحدتها الترابية فإن المعادلات سوف تختلف.

كل شىء يتوقف على موازين القوة وحسابات المصالح قبل رسم أى خرائط جديدة.

بعض الاقترابات من الأزمة الليبية تشبه اختبار الميادين قبل اقتحامها.

لا يمكن وصف حكومة «السراج» بأنها حكومة وفاق وطنى، فالشقاق حولها معلن، والقوة العسكرية التى تخوض المعارك باسم حكومته هى ذاتها الميليشيات المتمركزة فى طرابلس ومصراتة باسم «فجر ليبيا» الطرف الآخر فى الصراع المسلح على المستقبل الليبى.

المعنى أن القوى الغربية أميل إلى التعاون مع تلك الميليشيات ودمجها فى أية سلطة مقبلة تحت عناوين استراتيجية تتجاوز ليبيا والصراع عليها.

نحن نتحدث عن خيارات لا أهواء ومصالح لا انفعالات.

إذا لم تكن السياسة المصرية واضحة لن يعيرها أحدا التفاتا.

قبل أن نسأل: ماذا يريدون من ليبيا؟.. علينا أن نسأل أنفسنا: أين نحن بالضبط؟

بتعبير السفير الإيطالى السابق فى القاهرة: «أنا لم أعد أعرف ما موقف القاهرة بالضبط فى الأزمة الليبية ولا كيف تفكر؟».

كان ذلك قبل التطورات الدراماتيكية فى العلاقات بين البلدين على خلفية مقتل الباحث الإيطالى «جوليو ريجينى» التى استدعت مغادرته إلى «بروكسل» حيث عاصمة الاتحاد الأوروبى.

بدت حيرته فى موضعها ولها أسبابها.

بعد (٣٠) يونيو أبدت السياسة المصرية اهتماما بالغا بالأزمة الليبية وعملت على تأمين حدودها التى جرى تهريب شحنات سلاح ومقاتلين عبرها، كما دعمت الجيش الوطنى الليبى بالسلاح والتدريب قبل أن تؤيد شرعية البرلمان فى «طبرق» غير أنها تحت ضغوط دولية اضطرت دون حماس للاعتراف بشرعية حكومة «السراج».

أسوأ استنتاج ممكن أن السياسة افتقدت وضوحها وأهدافها غامت فى التأويلات ففقدت تأثيرها بين أنصارها قبل غيرهم.

مراجعة الموقف ضرورية حتى تستقيم السياسات وتستعيد احترامها.

تحت كل الظروف لا يصح التفريط ولا التساهل فى وحدة التراب الليبى.

كل شىء بعد ذلك يخضع للاعتبارات العملية.

أرجو أن نتذكر أن حلف «الناتو»، وهو يغزو ليبيا عام (٢٠١١)، تجاهل سؤال: ماذا بعد «القذافى»؟، وتصرف كما لو أن هدفه الرئيسى تحطيم ليبيا لا تحريرها، تفكيكها لا إعادة بنائها.
هناك فارق بين رفض حكم «القذافى» وتسويغ الغزو.

أى خلط يؤدى إلى نفس المعسكر الذى كان يقف فيه الرئيس الفرنسى السابق «نيكولاى ساركوزى» ورئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» المدانان قبل أيام فى أحدث تقارير لجنة الشئون الخارجية بمجلس العموم.

وفق التقرير لم يكن هناك ما يسوغ التدخل العسكرى البريطانى بجوار القوات الفرنسية ولا أية استراتيجية متماسكة لإدارة الموقف بعد الغزو.

فضلا عن أنه لم يكن هناك تهديدا فعليا للمدنيين يستدعى التدخل على ما ادعى «كاميرون» استنادا إلى جمل اجتزئت بانتقائية وسطحية من أقوال العقيد «معمر القذافى».

من ناحية عملية ساعدت قوات التدخل العسكرى على تفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة قبل أن تتركها للفوضى المسلحة وصراعات الميليشيات على السلطة.

لجان التحقيق البرلمانية إحدى الوسائل الديمقراطية فى استجلاء الحقيقة، والإشارة إلى مواطن الأخطاء القاتلة، وتصحيح الصور التى تعرضت للتقويض، غير أن القضية ليست فى إبراء الذمم، فليس هناك أدنى توجه لأية محاكمات جنائية لمن تسببوا فى سقوط عشرات الألوف من الضحايا فى ليبيا كما فى العراق وسوريا، ولا ما يمنع تدخلات مماثلة فى المستقبل قبل أن يقال إن «معلومات مغلوطة» تسببت فيها.

السؤال الأكثر أهمية: هل كان غزو العراق ثم ليبيا عن عمد وقصد أم لأنه كانت هناك معلومات مغلوطة؟

لأى أسباب ترك البلدان للفوضى؟

وبأى قدر كان العامل الإسرائيلى فاعلا؟

لجنة التحقيق البريطانية اكتفت بما هو ظاهر ولم تفسر ما جرى.

لا يعقل تحطيم دول وتشريد شعوب دون أدنى حساب، وفى النهاية «نصف اعتذار».

أنصاف الاعتذارات لا ترد المظالم ولا تنصف الضحايا.

الأفدح أن نفس الأخطاء تتكرر كما يحدث الآن فى الأزمة الليبية.

الاعتراض على سيطرة «حفتر» على «الهلال النفطى» تعبير عن مصالح مباشرة لا شأن لها بأية قيم سياسية، فالنفط أولا وعاشرا.

وفرض تصور للحل السياسى بلا توافق حقيقى يتسق مع الحقائق على الأرض خطيئة تتمدد كأنها حقول ألغام مرشحة للانفجار بأية لحظة.

باليقين فقد ثبتت هشاشة العملية السياسية، وأنها غير جادة ولا صالحة لمواجهة أى استحقاق، وذلك يتطلب الكلام بكل وضوح.

وبالتداعيات دخلت أطرافا دولية جديدة فى حلبة الصراع بين الفرقاء المحليين، وذلك تطور جديد له حساباته وعواقبه.

لم يكن الدعم الدبلوماسى الروسى والصينى لسيطرة «حفتر» على الهلال النفطى بمنع استصدار قرار من مجلس الأمن الدولى مجانيا على أى نحو، فهناك رهانات وصفقات على حصص أكبر من البترول الليبى.

بذات القدر لم تكن احتجاجات الدول الغربية الكبرى على سيطرة «حفتر» على الهلال النفطى جملا عابرة تنقضى حدتها بمضى الوقت.

الاحتجاجات الصاخبة مشروعات صراع قد يأخذ صورا متعددة، بصفقات الكواليس أو باستعراضات السلاح.

إن أى احتمال للتقسيم أقرب إلى زلزال يضرب مصر فى صميم أمنها ووجودها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved