من أجل علاقة صحية بين العمال ومنظمات المجتمع المدني

فاطمة رمضان
فاطمة رمضان

آخر تحديث: الخميس 16 نوفمبر 2017 - 9:20 م بتوقيت القاهرة

في المقالين السابقين "منظمات حقوق الإنسان .....ما بين الدور المفترض والواقع"، " سياسات الإصلاح الاقتصادي.. وبداية ظهور منظمات حقوق الإنسان وسط العمال" عرضنا لأهم ما أنجزته منظمات حقوق الإنسان في مجال العمال، وكيف كان ظهورها يلبي احتياجات لدى العمال، ولولا عملها بشكل تنافسي ربما ساعدت العمال في بناء تنظيمات تعبر عنهم. وفي هذا المقال سنعرض لأهم المنظمات التي كانت فاعلة وسط العمال.

أول منظمة مجتمع مدني عملت في مجال العمال في مصر كانت دار الخدمات النقابية، والتي بلور فكرتها قبل مطلع التسعينات من القرن الماضي المحاميان اليساريان أحمد نبيل الهلالي، ويوسف درويش، جنباً إلى جنب مع عدد من القيادات النقابية التاريخية في ذلك الوقت مثل طه سعد عثمان، وسيد فايد، وقيادات ما زالت موجودة بيننا مثل كمال عباس وصابر بركات ومحمد عبد السلام البربري وغيرهم.

يذكر محمد عبد السلام أنه كان هناك مرحلة للتأسيس قبل عام 1990 (بداية التأسيس طبقاً لما هو منشور علي موقع دار الخدمات النقابية)، بعد انقسام الحزب الشيوعي المصري، وتكوين حزب الشعب، ودفع حزب الشعب من أمواله في تأسيسها 17 ألف جنيه، وكان يدفع 20 جنيه شهرياً للكهرباء والماء، ويتولى العمال جمع الأموال من بينهم لتصوير الورق، ويأتون بالشاي والسكر من بيوتهم، حتى إفطار رمضان كانوا يقومون بعمله في بيوتهم.

بدأت دار الخدمات النقابية كمنظمة عمالية يمولها ويقودها العمال، يعملون بها بشكل تطوعي. وهو ما تغير بعد ذلك تماما بعد إعادة التأسيس في مارس 1990، فلم يعد يمولها العمال، وكذلك من يقودونها ليسوا بعمال، ويعمل بها موظفون مقابل أجر، وبالتالي لم تعد منظمة عمالية يحق لها أن تطالب بتمثيل العمال.

***

لكن يبدو أن القائمين على الدار ظلوا يتعاملون معها كونها منظمة عمالية رغم تغير طابعها، وبالتالي يعتبرون الآخرين من منظمات المجتمع المدني الأخرى دخلاء على الحركة العمالية. ومن هنا تبنت الدار طوال تاريخها العمل منفردة أو مع جزء من القوى بعيدا عن بقية القوى. على سبيل المثال لا الحصر، أثناء العمل على إصدار قانون العمل 12 لسنة 2003، اختارت دار الخدمات النقابية مع حزب التجمع أن تكون وقفتهم الاحتجاجية أمام مجلس الشعب احتجاجا على مناقشة القانون تمهيداً لإصداره في يوم مختلف عن الوقفة التي نظمتها بقية القوى السياسية وبعض العمال في ذلك الوقت. تكرر نفس الشيء قبل الثورة مباشرة، ففي الوقت الذي تجمعت فيه قيادات عمالية و8 أحزاب وقوى سياسية، و22 هيئة ومنظمة مجتمع مدني وحركة اجتماعية للعمل في حملة "معاً من أجل إطلاق الحريات النقابية" والتي أنتجت مسودة لقانون الحريات النقابية في عام 2008، فضلت دار الخدمات النقابية - رغم دعوتها في بداية تأسيس الحملة للمشاركة- أن تعمل وحدها مع بعض القيادات العمالية على صياغة مسودة أخرى لقانون النقابات- لا تختلف تقريباً عن مسودة قانون الحملة- مستعينة بالدكتور أحمد حسن البرعي في الصياغة القانونية.

ومن منطلق تعريف القائمين على الدار لها كونها منظمة عمالية، فقد طالبوا بوجود ثلاثة من الموظفين بها ضمن خمسة هم كل سكرتارية الهيئة التأسيسية التي تقود الاتحاد المصري للنقابات المستقلة  في المرحلة الانتقالية حتى المؤتمر التأسيسي له. حدث ذلك في مؤتمر للاتحاد بفندق بيرا ميزا يوم 20-7-2011، وعندما رفض طلبهم عملت الدار علي تأسيس اتحاد آخر.

***

بعدها بسنوات بدأ مركز هشام مبارك للقانون يعمل على قضايا النقابيين الذين تم استبعادهم أثناء الانتخابات النقابية لعام 1996. قبل الانتخابات النقابية لعام 2001 تم تأسيس اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية، وكان مقر اجتماعاتها مركز هشام مبارك للقانون. تأسست اللجنة من عدد من القيادات العمالية في العديد من المحافظات، وعدد من الشخصيات من معظم الأحزاب والقوى السياسية آنذاك وبعض المستقلين، وظلت تعمل حتى بعد الثورة.

كان داخل اللجنة التنسيقية صراع خفي حول كيفية تسيير اللجنة، وظهر ذلك جلياً في اتجاهين لكيفية عمل اللجنة أحدهما كان يرى أن تمويل اللجنة من خارج العمال لا يبني حالة من التضامن بين العمال، ولا يبني كوادر عمالية مناضلة، ويقترح إعادة اللجنة للطريق القديم لخلق حالة من التضامن بين العمال عبر جمع اشتراكات من أعضائها من العمال والقوى السياسية والأفراد، يتم الإنفاق منها على أنشطة اللجنة. الفريق الآخر يرى أنه من الأفضل الاستمرار في تمويل أنشطة اللجنة البسيطة (علبة كشري وقيمة المواصلات للعمال من المحافظات مرة شهرياً) عبر مركز هشام مبارك، كون ذلك يضمن خدمات أفضل للعمال من حيث وجود محامين للعمل في قضايا العمال، وكذلك الوضع المادي المتدني للعمال لا يسمح بأن يدفعوا من أجورهم الضئيلة اشتراكات. ساد رأي الفريق الثاني في عمل اللجنة التنسيقية حتى بعد الثورة، مما جعل بعض القوى السياسية التي كانت تتبنى الرأي الأول تقلل من تواجدها داخل اللجنة وتعمل قبل الثورة بسنوات قليلة على تأسيس لجان أخرى للعمل من خلالها مع العمال خصوصاً مع صعود الحركة الاحتجاجية.

وفي عام 2008 تم تأسيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، والذي مثل العمل العمالي مركز الثقل بداخله. وقد جاء في تعريف المركز لنفسه أنه يسعى إلى تمكين المجتمع من التمتع بكافة الحقوق، من خلال تعزيز الحركات الاجتماعية المدافعة عن هذه الحقوق، واستنهاض حركة مجتمعية جديدة تحقق أعلى مستويات المشاركة، وقادرة على التأثير والتغيير، ونشر ثقافة حقوق الإنسان في شتى المجالات لاسيما حقوق العمل والحريات النقابية.

وعلى الرغم من كون المركز كان قد ساهم بشكل كبير في قضايا التقاضي الاستراتيجي، ومشارك في العديد من الشبكات والتحالفات الدولية، ورغم انفتاحه بشكل كبير على التحالف الداخلي خصوصاً بعد انغلاق المجال السياسي إلا أن تحالفاته هذه ظلت ضعيفة وهشة وغير مؤثرة بشكل كبير على السياسات العامة، مثلها في ذلك مثل بقية التحالفات الداخلية لكافة القوى السياسية والاجتماعية. يرجع ذلك بشكل كبير إلى أسباب خارجية خاصة بالمناخ العام السائد، وسياسة النظام الحاكم بعد 2013 التي لا تستمع لأي أصوات مجتمعية. كما يرجع لأسباب داخلية خاصة بعدم التوازن في القيام بالمهام وبالتالي في اتخاذ القرارات داخل هذه التحالفات، مما يقلل من تفاعل الأطراف الأخرى، ومن ثم الابتعاد عنها بعد ذلك خصوصاً مع ضعف التأثير.

***

كما كان لمركز الحق في التعليم دور هام فيما يخص النقابات التي نشأت في مجال التعليم سواء، نقابة المعلمين المستقلة، أو نقابة إداري التربية والتعليم المستقلة، سواء في المساعدة في التأسيس، أو التدريب، وإن شهد هذا الدور جدل فيما بعد وسط أعضاء النقابة فيما يخص اختلاط الأدوار بين النقابة والمركز.

كما عملت لفترات محدودة بعض المراكز الأخرى والتي لم تتفاعل مع الحركة العمالية بشكل كبير ومؤثر في صيرورتها. بل اقتصر دورها على بعض التدريبات، أو إصدار بعض الأوراق عن الحركة، أو رصد الاحتجاجات ونشرها في تقارير مما ساعد في قياس مستوى الحركة على مدار سنوات. منها مركز الأرض والمرصد النقابي والعمالي المصري، ومؤسسة أولاد الأرض ومؤسسة الهلالي للحريات، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

تفاقم الأمر بعد الثورة، خصوصاً في ظل تكالب المنظمات والاتحادات الدولية علي الارتباط بنقابات واتحادات نقابية مستقلة ولدت من رحم الثورة. فأصبحت الدورات التدريبية والأنشطة العمالية تقام في الفنادق الخمسة نجوم، فيقيم العامل في هذه الفنادق عدة أيام. مما جعل الحكومة بأجهزتها تستخدم هذه المظاهر للدعاية سواء وسط العمال، أو في شتى وسائل الإعلام عن عمالة النقابات المستقلة وتمويلها من الخارج، وذلك رغم أن الاتحاد الحكومي كان يمارس نفس الأنشطة لعشرات السنين قبل ظهور النقابات المستقلة ولم يوجه له أي اتهام.

ها وقد وصلنا لنهاية مرحلة، وفي انتظار مرحلة جديدة من إعادة تأسيس كل منظمات المجتمع سواء السياسية أو النقابية أو مراكز حقوق الانسان، فلابد من الاستفادة من التجربة السابقة بكل ما فيها من مميزات وعيوب. على أن تبدأ مرحلة جديدة قوامها الأساسي التكامل والتضامن بين مكونات المجتمع العمالي والبيئة الحاضنة لها، في إطار بناء مؤسسات عمالية مستقلة عن كل الأطراف، مناضلة وقادرة على إدارة وتمويل كل أنشطتها عبر اشتراكات العمال، وعلى منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية أن تساعد في ذلك بدون انتظار المقابل في ولاء أو تمثيل أو غيره.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved