فى انتظار حرب تطهير.. «داعش» تنشر موازنة «دولة الخلافة»

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 16 ديسمبر 2015 - 8:45 ص بتوقيت القاهرة

فى تحدٍ علنى للعالم أجمع، وتحديدا للدول التى أوفدت أساطيل طيرانها الحربى لمطاردة مقاتلى «داعش» بداية فى العراق، ثم مدت مداها إلى مختلف أنحاء سوريا، أقدمت دولة الخلافة الإسلامية التى يتزعمها الخليفة أبوبكر البغدادى على نشر موازنتها السنوية.. تماما كما تفعل أية دولة قائمة شرعا، يسودها النظام، ويلتزم رعاياها القوانين مرعية الإجراء.

لا تهم الأرقام التى كشفت عنها هذه «الدولة» والتى تبلغ مئات الملايين من الدولارات، إلا بدلالتها السياسية المباشرة والتى تؤكد أن «أجهزة» هذه «الدولة» تعمل بكفاءة وتعتمد الدقة فى إحصائياتها، وتتحدى العالم كله الذى يدعى قادته ــ غربا وشرقا – التعاون على قتالها حتى اقتلاعها من حيث تمددت. ففى المساحة ما بين الموصل فى شمال العراق حتى حلب فى أقصى شمال سوريا تعلن هذه «الدولة» وجودها وتكشف عن انتظام إدارتها وأجهزتها و«تصـارح» رعاياها بمداخيلها.

أخطر ما تدل عليه هذه «الموازنة» ليس الدقة فى أرقامها بل الإقدام على نشرها علنا، علما بأن «الدول» تتداول تقديرات غير محددة عنها، انطلاقا من أرقام افتراضية لكميات النفط التى يستولى عليها مقاتلو «داعش» من منابعها فى الأراضى العراقية والسورية التى يسيطرون عليها، ثم يبيعونها إلى جهات مختلفة أولها تركيا، التى لا تنفى التهمة ولكنها تردها نحو النظام فى دمشق، مدعية أنه يشترى «نفطه» من «داعش» عبر سماسرة بأسعار مخفضة، متجاهلا مصدره، لأن سوريا بحاجة إليه.

وتلح على الناس أسئلة مقلقة وهم يتابعون أنشطة «داعش» متعددة الجبهات، فى الداخل العربى الممتد ما بين اليمن على البحر الأحمر واللاذقية فى سوريا على البحر الأبيض المتوسط: ماذا حققت غارات طيران التحالف، ومعها الطيران الحربى الروسى الذى جاء بعض أسطوله إلى قواعد على الساحل السورى، من أهداف، حتى اليوم؟ مئات الطائرات الحربية، أمريكية وفرنسية وكندية واسترالية، وقد تعززت بالأسطول البريطانى أخيرا، تحتشد فى سماء ما بين النهرين مع امتدادات إلى الداخل، فمتى سيلمس الناس نتائج قصفها على «أشباح داعش» الذين يبدو أنهم يتزايدون ويوسعون دائرة انتشارهم فى اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بأوروبا التى لا تزال تبكى ضحايا التفجيرات الإرهابية فى باريس.

لا إجابات واضحة حتى الآن، ولا يتجرأ أى مسئول فى الشرق كما فى الغرب على الحديث عن نهاية قريبة لداعش، لا فى العراق ولا خاصة فى سوريا التى تحولت معظم أنحائها إلى جبهات نار مفتوحة على «العصابات المسلحة» التى تزداد شراسة فى القتال.

***

فى هذه الأثناء تتواتر الأخبار عن لقاءات ومؤتمرات ومشاورات ومشاريع تسوية لبعض الأزمات التى فجرت ــ متزامنة ــ حروبا مدمرة فى العديد من الدول العربية، وشغلت «الدول» عن داعش ولو مؤقتا وإلى حين.

أمس الثلاثاء، انعقد فى فيينا مؤتمر للبحث عن تسوية فى اليمن يفترض أن توقف الحرب الظالمة التى تشن على هذا البلد العربى العريق الذى شكل ذات يوم، عنوانا للحضارة الإنسانية. وبرغم التحفظات والشروط المتبادلة فإن احتمال التقدم ممكن فى اتجاه تسوية لهذه الحرب غير المبررة التى شنتها السعودية ــ جوا ــ معززة بقوات تدخل برى جمعت بين فصائل عسكرية من بعض دول الخليج وقوى محلية آتية من الماضى أو مرتدة على منطلقاتها العقائدية التى حكمت بها ــ ذات يوم ــ جنوب اليمن بدعم مفتوح من الاتحاد السوفييتى ثم انهارت عشية انهياره فالتجأت إلى الوحدة بالإكراه مع شمالى اليمن وتحت قيادة رئيسه آنذاك على عبدالله صالح.

لقد استحال الانتصار، وفشلت طائرات «حملة الأمل» فى تحقيق أهدافها السياسية بالقضاء على القوات المشتركة الموالية للرئيس السابق على عبدالله صالح وتنظيم «أنصار الله» الذى يطلق عليه السعوديون ومن معهم تسمية «الحوثيين» لدمغه بالطائفية واستنفار السنة.. ضـد الشيعة. بحيث تتخذ هذه الحرب موقعها فى سياق الفتنة الكبرى التى تجتهد أطراف عديدة، دولية وعربية فى تأجيجها تحت عنوان «مواجهة إيران وولاية الفقيه» وأطماعها التوسعية التى تتمدد على طول المسافة بين البحرين المتوسط والأحمر.

«ليكن التفاوض بديلا من الحرب، إذن، حتى لو استدعى الأمر التوصل إلى اتفاق يبدأ بهدنة عسكرية ثم يتمدد فى السياسة بين الرياض (ومن معها) وطهران (ومن معها) فى ظل رعاية دولية، قد يشارك فيها الأمريكيون والروس، ولو من بعيد».

وقد يساعد على إنجاح هذه المفاوضات أن أطرافه جميعا تتبدى منهكة بعد نحو تسعة شهور من حرب مكلفة فى الأرواح وفى أسباب العمران فضلا عن استحالة «النصر العسكرى السريع» الذى توهم قادة «حملة الأمل» أنه يمكن تحقيقه بسرعة قياسية نتيجة الاستخدام المكثف للطيران الحربى فى بلاد يصعب على المشاة التقدم فيها.

***

أما على المسرح المشرقى فثمة أزمة سياسية جديدة تفجرت بين العراق وتركيا بسبب بعض القوات التى كانت أنقرة قد أوفدتها إلى الشمال الكردى فى العراق وبذريعة تدريب «قوات البشمركة» أى جيش إقليم كردستان الذى لا يفتأ قادته يعملون على تثبيت قواعد انفصاله عن «دولة العراق»... وهم قد حرصوا على القول إن تدابيرهم استثنائية ومؤقتة واضطرارية سببها الفعلى ارتباك الحكم فى بغداد وتقصيره فى الوفاء بالتزاماته المالية تجاه «الإقليم»... علما بأن هذا الإقليم يبيع نفطه مباشرة، ويحتفظ بعائداته، ثم يمضى قدما فى توسيع علاقاته مع أنقرة التى تستريب بغداد فى علاقاتها بـ«داعش»، كما فى محاولاتها الدءوبة التى تستهدف تحريض «السنة ضد الشيعة» المتهمين بأنهم يحتكرون السلطة فى بغداد. وبيــن الاتهامــات العــــراقيــة (والسورية) لأنقرة أنها قد سهلت «الدخول الأسطورى» لداعش إلى العراق والذى بلغ ذروته السينمائية بخطاب «الخليفة» أبى بكر البغدادى من الموصل... أما سياقه فى التواطؤ العملى فيتمثل فى أن تركيا تشترى بعض نفط العراق وبعض نفط سوريا المنهوب من هذا التنظيم الإرهابى الذى سيطر على بعض منابع النفط وخطوط نقله فى البلدين معا.

بالمقابل تتسارع المشاورات واللقاءات الدولية حول الحرب فى سوريا وعليها... وبينها كان المؤتمر الذى جمعت فيه السعودية أشتات المعارضات السورية، التى وصفت بأنها سياسية أساسا وإن كانت قد ضمت فصائل مسلحة، وخرج بموافقة مبدئية على المشاركة فى المؤتمر المقرر انعقاده فى نيويورك، وبرعاية الأمم المتحدة فى الشهر المقبل مبدئيا.. ويمكن اعتبار اللقاء الذى جمع أمس وزيرى خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فى موسكو، بمثابة التمهيد العملى لهذا المؤتمر الذى يفترض أن يجمع ممثلى النظام وممثلى المعارضات المختلفة، باستثناء «النصرة» و«داعش».

***

لقد طرأت مستجدات ميدانية خطيرة، قد تعجل فى المساعى الهادفة إلى إيجاد حل سياسى للحرب فى سوريا وعليها..

وإذا كانت هذه المستجدات قد تفرض على أنقرة شيئا من الهدوء والحذر فى تعاطيها مع الحرب، فى سوريا وعليها، ومزيدا من الدقة فى تعاملها مع موسكو، فإن الرياض قد عدلت من سلوكها مع المعارضة السورية التى جمعتها عندها، فى جو ضاغط نتج عنه بيان «هادئ نسبيا» لا سيما إذا قيس بالمؤتمرات السابقة التى رعتها أنقرة أو الدوحة أو بعض العواصم الأوروبية.

على هذا فالكل ينظر إلى اللقاء الجديد الذى تم بالأمس بين وزيرى الخارجية الأمريكى والروسى، فى موسكو، على أنه يشكل محطة مفصلية، فى سياق العلاقات بين الدولتين الكبيرتين، وتحديدا فيما يتصل بمسألة الحرب فى سوريا وعليها، وربما شمل بتأثيره – ايضا – المؤتمر المزمع انعقاده بين الوفدين اليمنيين اللذين أوقفا إطلاق النار، مؤقتا، للتفاوض حول مشروع حل سياسى يوقفها نهائيا عبر صيغة مقبولة لحكم اليمن.. برضا سعودى وعدم اعتراض إيرانى، وموافقة مصرية ولو مكتومة.

فى هذه الأثناء يتسلى اللبنانيون بأخبار الانتخابات الرئاسية التى شهدت محاولة لم يقدر لها النجاح لتمرير اتفاق ثنائى بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريرى والنائب سليمان فرنجية، يقضى بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية (وهو موقع شاغر منذ سنة ونصف السنة) مقابل أن يكون الحريرى رئيسا لحكومة العهد.

لكن المحاولة جاءت مرتجلة إلى حد كبير، متجاهلة مواقف «الناخبين الكبار» فى الداخل ومن دون الضمانات الكافية من الناخبين فى الخارج... ولكنها نفعت فى التسرية عن اللبنانيين الذين يعيشون عمليا بلا دولة، ولو لأيام معدودة خارج دائرة الإرهاب بالتفجيرات قاتلة الأطفال.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved