سوريا واليمن أيهما أسبق فى الاهتمامات التركية؟

علي عبد الفتاح
علي عبد الفتاح

آخر تحديث: الجمعة 17 أبريل 2015 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

بعد حالة التخبط فى المواقف تجاه الربيع العربى، ثم الموقف تجاه الأحداث فى مصر بعد 30 يونيو، خسرت تركيا الكثير من أوراق اللعب والنفوذ فى المنطقة العربية. فملفات كالعراق، سوريا، ليبيا، مصر، وبالتبعية دول الخليج الداعمة للنظام فى مصر، وكذا توتر العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل فى الفترة الأخيرة أدت لحالة من العزلة للنظام التركى الذى يحاول أن يسوق لنفسه دور النظام ذى المبادئ والمثل، وليس المصالح. بدأت محاولات تحسين العلاقات وكسر حالة العزلة من خلال تصريحات إيجابية لقادة الحزب الحاكم تجاه دول الخليج، ثم تطور العلاقات التركية القطرية لاتفاقات استراتيجية، وأخيرا توجت بزيارة أردوغان للسعودية يوم 2 مارس الماضى.

•••

فى أواخر مارس أصدرت وزارة الخارجية بيانا عن موقفها من تطورات الأحداث فى اليمن بعد ساعات من توجيه ضربة جوية لمعاقل الحوثيين وتكوين تحالف يضم العديد من الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، بالإضافة لدعم معلوماتى وسياسى أمريكى. يحاول المقال التعرف على محددات الموقف التركى من الأحداث، وكذا حدودها، وكيف يرى صانع القرار فى تركيا الأزمة اليمنية.

أولى هذه المحددات فى الموقف التركى هو الملف السورى الذى يضغط بقوة على تركيا النظام والمجتمع. سواء بالتهديدات المباشرة للأمن القومى التركى أو من خلال ملف اللاجئين السوريين الذى يقارب عددهم المليونين، حيث تتقاطع مصالح تركيا مع إيران، وترى من السعودية وبعض دول الخليج حليفا محتملا فى تلك الملفات.

ثانيا موقف تركيا من إيران شديد التعقيد، فعلاقات تركيا بإيران ليست كمثيلاتها من دول الخليج ومصر. فإيران هى أكبر مصدر للنفط الخام لتركيا، حيث تغطى نحو 36% من استهلاكاتها السنوية، وكذا ثانى أكبر مصدر للغاز الطبيعى بعد روسيا، بنسبة 18%. أيضا عبارات المد الشيعى والتهديد الشيعى والصراع السنى الشيعى لا تكاد تسمعها فى المجتمع التركى. وكثيرا ما ترى فى المساجد «السنية» إيرانيين شيعة يصلون وفقا لمذهبهم بوضع نوع من الحجر عند مكان السجود دون أى استنكار أو رد فعل سلبى من الأتراك. وتمتلئ الجامعات التركية بالطلبة الإيرانيين فى التخصصات المختلفة بأعداد كبيرة. ولكن بدأت العلاقات التركية الإيرانية تزداد سوءا تحديدا بعد التطورات فى الملف السورى ودعم إيران للنظام السورى بقوة فى الفترة الأخيرة وهو ما يضع تركيا فى مأزق ما بين تأمين احتياجاتها لمصادر الطاقة، وبين تعارض مواقفها السياسية بشدة فى الملفين السورى والعراقى.

ثالثا: دول الخليج، حيث لا ترى تركيا دول الخليج إلا أسواقا لمنتجاتها، وكذا مصدرا للدخل من قطاع السياحة. وكلا القطاعين لم يتأثرا بشكل جوهرى بعد الأحداث الأخيرة فى المنطقة. فتركيا لا ترى أن أمن الخليج هو أمن تركيا، ولا يعتمد الاقتصاد التركى على هبات ومساعدات مالية من تلك الدول. أيضا تتعارض رؤية تركيا مع الإمارات والسعودية فى موقفها من حركات الإسلام السياسى، والموقف منها فى الفترة الأخيرة تحديدا فى مصر.

أخيرا: محددات داخلية. فالحزب الحاكم رغم حصوله على الأغلبية فى البرلمان لا يتيح له ذلك التحرك بحرية فى القرارات الحيوية المتعلقة بالسياسة الخارجية. فهناك معارضة قوية فى البرلمان. وكذا دور المؤسسة العسكرية فى تأييد أو معارضة تلك القرارات التى لها أبعاد عسكرية.

•••

ربما نستنتج من تلك المحددات السابقة أمرين أساسيين يجعلنا نفهم أسباب وحجم الدور الذى ربما تلعبه تركيا فى الأزمة اليمنية أو فى بعض الملفات الأخرى مستقبلا.

أولا: ربما أرادت تركيا أن تبحث عن مصدر آخر للطاقة لتقليل الاعتماد على إيران وبالتالى القدرة على الضغط والمواجهة بشكل أكبر فى الملفات المشتبكة فيها مع إيران مقابل أن تلعب دورا مستقبليا كداعم لدول الخليج، وفى مقدمتها السعودية فى ملفاتها الإقليمية.

ثانيا: نرى أن التحرك التركى فى الملف اليمنى لن يزيد بأى حال على الدعم اللوجيستى، سواء بسبب التعقيدات الداخلية فى تركيا، أو بسبب ضعف أهمية الملف اليمنى لتركيا مقارنة بالملف السورى. وقد ظهر ذلك فى بيان وزارة الخارجية التركية عن معرفتهم المسبقة من السعودية عن التدخل فى اليمن. ولكن تلك «المعرفة» لم تبلور فى دور قوى لتركيا فى التحالف، مما يؤشر على أنه لا ينتظر منهم فى المستقبل القريب فى الأزمة.

•••

رغم نفوذ تركيا وتأثيرها فى الإقليم، والتقارب السعودى التركى فى الفترة الأخيرة لن يكون على حساب الدور المصرى تجاه الخليج وأمنه. فتركيا ليست لديها الرغبة (أو ربما أيضا القدرة) أن تدعم وتؤثر فى الملفات الأساسية شديدة التعقيد بنفس الدرجة التى تقوم به مصر المنغمسة فى مشاكل الإقليم حتى أذنيها. فـ«مسافة السكة» من أنقرة إلى الخليج هى أطول وأصعب بكثير من القاهرة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved