ملاحظات حول حالة الطوارئ

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 17 أبريل 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

لم يصاحب إعلان حالة الطوارئ الأسبوع الماضى جدل أو خلاف كبير، بل أصدره السيد رئيس الجمهورية مساء الإثنين الماضى، وأقرته الحكومة فور إرساله اليها، وصدق عليه البرلمان فى اليوم التالى بعد أن وافق أعضاؤه على عدم فتح باب النقاش بشأنه. وقد أجرت مؤسسة «بصيرة» استطلاعا للرأى أظهر أن 63٪‏ ممن شملهم الاستطلاع موافقون عليه و17٪‏ معترضون بينما لم يحسم 20٪‏ أمرهم منه. وفى تقديرى أن سبب الهدوء النسبى الذى صاحب إعلان الطوارئ هو استعداد المجتمع فى ظل الأحداث الأخيرة لتقبل القرارات والسياسات التى تتخذها الدولة من أجل مكافحة الإرهاب دون التوقف كثيرا عند تحليل مضمونها القانونى أو ما يلزم أن يصاحبها من سياسات أشمل.

من حيث المضمون، فإن أهم نتائج إعلان حالة الطوارئ هو تطبيق قانون الطوارئ الصادر عام ١٩٥٨ والذى يمنح جهات الأمن سلطات استثنائية فى القبض على المشتبه فيهم واحتجازهم دون عرضهم على جهة قضائية، ومراقبة المكالمات والاتصالات، والإحالة لمحاكم أمن الدولة، ومنع التظاهر، وفرض بعض القيود على النشاط الاقتصادى والتجارى. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن مصر ظلت فى حالة طوارئ متقطعة طوال القرن الماضى وتكاد تكون مستمرة منذ عام ١٩٦٧ حتى ٢٠١٢، إلا أن هناك فارقين دستوريين كبيرين تحققا أخيرا: الأول أن المحكمة الدستورية قضت عام ٢٠١٣ ببطلان الفقرة الأولى من المادة (٣) من قانون الطوارئ والتى كانت تبيح احتجاز واعتقال المشتبه فيهم دون عرض على القضاء. والثانى أن الدستور الجديد قصر إعلان الطوارئ على ثلاثة أشهر فقط قابلة للتجديد مرة واحدة.
وهذه ضمانات دستورية لا يستهان بها وتعبر عن فكرة محورية مهمة، وهى أن حالة الطوارئ يجب أن تكون فى إطار دستورى سليم ينظمها ويقيدها ويمنحها مشروعيتها القانونية والسياسية، لا أن تكون مبررا للعصف بالدستور وتجاهل القانون وإرجاء التقدم المطلوب فى المسار السياسى.

والواقع أن العديد من التعديلات القانونية الصادرة خلال الأعوام الثلاثة الماضية فى مجالات مكافحة الاٍرهاب، وتنظيم التمويل الأجنبى، والرقابة على الجمعيات الأهلية، ومنع التظاهر، والاجراءات الجنائية، قد منحت أجهزة الدولة سلطات واسعة وفرضت عقوبات صارمة تصل إلى حد الاعدام للعديد من الجرائم. يضاف إلى ذلك أن الأجهزة الأمنية كانت فى الآونة الأخيرة تمارس بالفعل بعضا من السلطات الاستثنائية الواردة فى قانون الطوارئ حتى قبل صدوره على نحو ما جاء فى تقارير العديد من الجمعيات والهيئات المتابعة لذلك وعلى رأسها المنظمة المصرية لحقوق الانسان. وهذا كله يثير التساؤل عما إذا كان الاتجاه لتشديد العقوبات وتوسيع الصلاحيات الممنوحة لأجهزة الأمن وتجاهل الضمانات الدستورية هو الأسلوب الأفضل للتصدى للإرهاب، أم أن الأمر يقتضى انتهاج سبيل مختلف هذه المرة.

كذلك فإن مجلس النواب أقر فى نفس يوم تصديقه على إعلان حالة الطوارئ تعديلات جديدة فى قانون الإجراءات الجنائية بشأن مدد اعتقال المشتبه فيهم، وقد أحيلت إلى مجلس الدولة كى يبدى الرأى قبل صدورها، كما أن مجلس النواب كان قد أقر منذ أسابيع قليلة تعديلات قانونية تحد من استقلال القضاء، ولا تزال بدورها فى انتظار رأى مجلس الدولة. وهذا يثير تساؤلا آخر حول استعداد الدولة لاخضاع حالة الطوارئ والقوانين المرتبطة بها للإطار الدستورى الحاكم لها أم أنها تعتبر الطوارئ حالة تتجاوز الدستور وتعلو عليه.

من جهة أخرى فإن التركيز فى الخطاب الرسمى والإعلامى على قانون الطوارئ باعتباره الوسيلة الرئيسية للتصدى للإرهاب جذب الأنظار بعيدا عن جوانب أخرى من هذه المعركة لا تقل أهمية بل قد تزيد، بما فيها الحاجة لإجراء المراجعات المطلوبة للملف الأمنى، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى تساهم فى تكوين وإذكاء حالة التكفير والكراهية والرغبة فى الانتقام، والانفصام الحادث بين خطاب الدولة الرسمى حول تجديد الخطاب الدينى وبين الواقع على الأرض الذى ينتشر فيه خطاب التحريض والكراهية والتمييز بلا حساب ولا رادع. هذه ليست ملفات على هوامش مكافحة الاٍرهاب بل فى صلب موضوعه لأنها تتعلق بتجفيف منابعه الفكرية والتنظيمية ولا ينبغى تجاهلها أو إرجاء التصدى لها اعتقادا بأن القانون والاجراءات الأمنية الاستثنائية وحدهما يغنيان عنها. لا يوجد خلاف حول خطورة الوضع الراهن ولا التهديد الحقيقى الذى يمثله الإرهاب لأمن الوطن ومستقبله، ولا على ضرورة اتخاذ كل الاجراءات اللازمة والممكنة للتصدى له، فهذا موضوع أخطر من أن يكون محلا للمزايدة والانقسام والتخوين. القضية تتعلق بالسياسة التى تنتهجها الدولة والأدوات التى تستخدمها فى محاربة العنف والإرهاب. والظرف الراهن، على الرغم من صعوبته وخطورته، هو الوقت المناسب للإقرار بخطأ الاعتماد على الوسائل الأمنية دون غيرها أو الاعتقاد بأن تعطيل الضمانات القانونية والدستورية هو السبيل لتحقيق النصر على الإرهاب. ما يحتاجه البلد هو توسيع دائرة المواجهة عن طريق حشد طاقات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى لا يجوز اهدارها أو تجاهلها. مصر بحاجة لتشجيع النشاط السياسى والحزبى الجاذب للشباب والقادر على طرح خطاب معتدل، وبحاجة لإطلاق حرية الجمعيات الأهلية القادرة أكثر من غيرها على التواصل مع الناس على الأرض وتقديم خدمات تنموية واجتماعية أكثر نفاذا من قوافل المعونات الرسمية، وبحاجة لإعلام حر ومناخ فكرى وثقافى مستقل يتصدى للتفكير الظلامى الدافع إلى العدوان والعنف، وبحاجة لسياسة اقتصادية واجتماعية متوازنة تخاطب احتياجات المواطنين العاجلة وتغل يد البيروقراطية عن صغار المنتجين والراغبين فى العمل من أجل توفير فرص للعمل، وبحاجة لإعادة ثقة المجتمع فى القانون والعدالة والدستور لأن هذا هو الضمان الحقيقى لمستقبل الدولة المدنية.

معركتنا مع الاٍرهاب طويلة وعصيبة. ووقوف المجتمع بأسره وراء الدولة، مساندا ومشاركا ومستعدا للمزيد من التضحيات، يقتضى إعادة نظر فى السياسات الراهنة وفتح المجال العام لا إغلاقه والدفاع عن الدستور والقانون ولو فى ظل حالة الطوارئ.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved